كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

والكلام في هذه المقدمة في مباحث:
المبحث الأول: بيان حِرص كثير مِن علماء الأصول على نَقْل أقوال البرماوي وتقريراته.
المبحث الثاني: ترجمة الإمام شمس الدين البرماوي، وتوثيق نِسبة الكتاب له.
المبحث الثالث: بيان منهج الإمام البرماوي في نَظْمِ الألفية وأَصْلِها وشَرْحِها.
المبحث الرابع: تَقَدُّم البرماوي في عِلْم الحديث وأَثَره في شَرْحه لِلْأَلْفِيَّة.
المبحث الخامس: تَقَدُّم البرماوي في الفقه وأَثَره في شَرْحه لِلْأَلْفِيَّة.
المبحث السادس: مَذْهَب الإمام البرماوي وأَثَره في شَرْحه لِلْأَلْفِيَّة.
المبحث السابع: عقيدة البرماوي وأَثَرها في شَرْحه لِلْأَلْفِيَّة.
المبحث الثامن: اشتمال شرح البرماوي على فوائد لم يذكرها الزركشي في "البحر".
المبحث التاسع: بيان دَرَجة دِقَّة البرماوي في نَقْل كلام غَيْره.
المبحث العاشر: بيان حرص البرماوي على أنْ يَقرأ على شيوخه ما كَتَبه أو نَسَخه مِن كُتُبهم ومقابلة نُسخته على أَصلهم، وكذلك كان يُقرأ عليه ما كُتِبَ أو نُسِخ مِن كُتُبه.
المبحث الحادي عشر: وصف نُسَخ مخطوطات أَلْفِيَّة البرماوي وأَصْلها وشَرْحِها.
المبحث الثاني عشر: ملاحظاتي حول نُسَخ المخطوطات.
المبحث الثالث عشر: الجهود السابقة لتحقيق هذه الألفية وشَرْحها.
المبحث الرابع عشر: عَمَلِي في الكتاب.
المبحث الخامس عشر: تنبيهات مهمة.
وفيما يأتي تفصيل ذلك.
وقولي: في الترجمة: (وهو السند) إشارة إلى أن المراد بالثبوت صحة وصولها إلينا، لا ثبوتها في أنفسها وكونها حقًّا، فإنَّ ذلك مُبيَن في الأوَّلَين -الكتاب والسُّنة- في أصول الدين، وفي الثالث -وهو الإجماع- في محله من أصول الفقه وهو ذِكر كَوْنه من الأدلة، وقد سبق في الباب الأول.
فالنوع الأول: "السند"، ويقال فيه: "الإسناد" أيضًا، وهو الإخبار عن المتن قولًا كان أو فعلًا أو راجعًا إلى أحدهما.
ومعنى قولي: (ضَبَطْ) أي: إنَّ ذلك الإخبار عن المتن هو الذي ضبطه وقيده حتى عرفه المخبَر به.
وقولي: (وَلَوْ فِيهِ وَسَطْ) أي: ولو كان الإخبار بواسطة مخبر آخر عن مَن ينسب المتن إليه.
وأصل "السند" في اللغة: ما يُستنَد إليه، أو ما ارتفع من الأرض. وأَخْذ الاصطلاحي من الثاني أكثر مناسبة؛ فلذلك قال ابن طريف: أسندت الحديث: رفعتُه إلى المحدث. فيحتمل أنه اسم مصدر مِن "أَسند يُسند"، أطلق على المسند إليه، وأنْ يكون موضوعًا لِمَا يُستند إليه.
وأما "المتن" فهو المخْبَر به كما سبق، ومادته في الأصل راجعة إلى معنى الصلابة، ويقال لِما صَلُبَ من الأرض: "متن"، والجمع "متان"، ويسمى أسفل الظهر من الإنسان والبهيمة " متنًا" أيضًا، والجمع "متون".
وقولي: (وَذَاكَ آحَادٌ وَ [ذُو] (¬1) تَوَاتُرِ) تقسيم للسند قسمين: آحادًا، ومتواترًا؛ لأنه إما أن يفيد العلم بنفسه فـ "المتواتر"، أوْ لا فَـ "الآحاد". وربما أُطلِق على المتن ذلك، فيقال: "حديث
¬__________
(¬1) كذا في (ز، ش، ت، ن). لكن في (ص، ض، ظ، ق): ذا.
بعض أحواله "محكمًا" باعتبارٍ آخَر.
وقولي: (يَسْتَأْثِرُ اللهُ بِعِلْمِهِ) بيان لحكم"المتشابه" وإنْ أوهمت عبارة "جمع الجوامع" أنَّه تفسير له.
قال الأستاذ أَبو منصور: إن هذا قول كثير من أصحابنا المتكلمين والفقهاء، كالحارث والقلانسي، ووقفوا في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ} [آل عمران: 7] على ذلك.
قال: وهو الأصح عندنا؛ لأنه قول الصحابة، كابن عبَّاس، وابن مسعود وأُبي بن كعب، وهو اختيار أبي عُبيد والأصمعي وأحمد بن يحيى النحوي.
وقال ابن السمعاني: إنه المختار على طريق أهل السُّنة. وحكاه البغوي في "تفسيره" عن الأكثرين من الصحابة والتابعين والنحويين، وقطع به الزبيري - من أصحابنا - في كتاب "المسكت".
ومقابِلُه قول الأشعري والمعتزلة؛ إنه لا بُدَّ أنْ يَكون مِن الراسخين في العلم مَن يَعلمه. والوقف عندهم في الآية على {فِي الْعِلْمِ}، وجملة {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} نَصب على الحال مِن {وَالرَّاسِخُونَ} فقط دُون المعطوف عليه؛ لِتَعَذُّره، فهو قرينة مُخَصِّصة لتقييد الحال بالمعطوف كما في {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72]، فإنَّ "نَافِلَة" حال من المعطوف فقط وهو "يعقوب"؛ لأنه ولد الولد، دُون إسحاق؛ لأنه ولد.
وقال ابن الحاجب: (إنه الظاهر؛ لأن الخطاب بما لا يُفهم بعيد) (¬1).
وقال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" في "كتاب [الأدب] (¬2) ": (إنه الأصح؛ لأنه يَبْعُد أن
¬__________
(¬1) مختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل (1/ 390 - 391).
(¬2) كذا في (ص، ز، ض)، لكن في (ت): الإيمان.
يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] مع أن بعض القربان غير منهي قطعًا.
بل قالوا: لا عام إلا وطَرقَه التخصيص، إلا مواضع يسيرة عقد الشافعي في "الرسالة" لها بابًا، وسيأتي بيانها.
وأما "العام" إذا أُكِّد، فلا يمتنع تخصيصه على أصح قولين للعلماء، حكاهما الماوردي والروياني في "باب القضاء"، ونقل القول بالمنع أيضًا أبو بكر الرازي عن بعضهم، وجزم به المازري، مستندين إلى أن التأكيد لنفي المجاز.
ولهذا وقع الجواب في قوله تعالى: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] على قراءة نَصْبِ "كُلَّه"؛ لأنه لو لم يكن معيِّنًا للعموم، لَمَا وقع جوابًا لمن قال: {هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} [آل عمران: 154].
ولكن الأصح نعم، بدليل: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ} [الحجر: 30 - 31] إذا قُدِّر متصلًا، وفي الحديث: "فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة" (¬1).
وفي "البرهان" لإمام الحرمين أن الجواز قضية كلام الأشعري. وصرح به القفال الشاشي والماوردي والروياني.
بل ظاهر كلام الهندي في "باب النسخ" أنه إجماع.
قولي: (وَلَوْ عَلَى فَرْدٍ يَلُمْ) إشارة إلى القَدْر الذي ينتهي إليه التخصيص ويبقى العام مقصورًا عليه، وأنه إنْ كان العام بصيغة غير الجمع وما في معناه فيجوز إلى واحد، وإنْ كان جمعًا أو ما في معناه فيجوز إلى أقَل الجمع. وهذا هو أرجح المذاهب كما سنذكره، وحينئذٍ فيُحتاج إلى معرفة "أَقَل الجمع" ما هو إذا كان جمع قِلة أو كثرة؟
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 1728)، صحيح مسلم (رقم: 1196).
كان ابن عمتك؟ " (¬1).
ويدخل في هذا النوع إذا كان الواقع بعد "أنْ" "كان" وحذفت واسمها وبقي خبرها وعُوض من ذلك "ما"، كقوله:
أبا خراشة، أما أنت ذا نفر ... فإنَّ قَومي لم تأكلهم الضبع
أي: لأَنْ كنت ذا نفر. وإنما لم يجعل اللام وما سيأتي بعدها من الصريح لأن كلًّا منهما له مَعَانٍ غير التعليل، ككون (اللام) للملك أو للاختصاص أو لبيان العاقبة، نحو: (لِدوا للموت وابنوا للخراب). أو نحو ذلك، وكذا الباقي.
ثانيها: "الباء"، نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 82]. فهي وإنْ كان أصل معناها الإلصاق ولها معانٍ أخرى لكن أكثر استعمالها في التعليل.
وقيل: لأنَّ في التعليل أيضًا إلصاقًا كما قرره الإمام فخر الدين الرازي بأنها لَمَّا اقتضت وجود المعلول، حصل معنى الإلصاق، فحسُن استعماله فيه مجازًا بكثرة.
فقولي: (فَالْبَاءِ) بالخفض عطفًا على (كَاللَّامِ)، وكذا ما بعده.
ثالثها:
"الفاء"، ولها ثلاثة أحوال مرتبة كما ذكرتها في النَّظم معطوفةً بالفاء:
الأُولى: أن تكون في كلام الشارع داخلة على العِلةِ، والحكمُ مُتقدِّم، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في المحرم
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 2231)، صحيح مسلم (رقم: 2357).

الصفحة 6