كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

وهذه صورة من رسالته (¬1):
وحكى إمام الحرمين الأقوال الثلاثة (6). وهي عندنا لا تقع؛ لأنه من باب اجتماع
(1) في (س، م): الوجودي
(2) ينظر: المحصول (2/ 2/ 597 - 598).
- 1141 -
نعم: لو كانت قليلة الفروع لها نظائر فهل يرجح بذلك؟ فيه نظر. وقد عقد الإمام
والصواب كما في جميع النُّسَخ: (لأنه مِن باب اجتماع علتين لِحُكم، ومَن قال: "يجوز تَعَدُّد العِلَل"، فلا معارضة؛ فلا ترجيح، ومَن منع هُم الذين اختلفوا. وكذا يُقدَّم مِن العلل ما كان أكثر فروعًا، ومَن رجح المتعدية يرجح بذلك، ومَن لا فلا. نعم، لو كانت قليلة الفروع).
قلتُ (عبد الله رمضان): فظهر بذلك أنه قد سقط من رسالة الدكتور كل ما تحته خط.
وهذه صُوَر من المخطوطات:
نُسخة (ش):
نُسخة (ت):
¬__________
(¬1) عبارة "لأنه مِن باب اجتماع" في آخِر سطر من صفحة (1140)، وعبارة "نعم: لو كانت قليلة الفروع" في أول سطر من صفحة (1141).
بالطور" (¬1)، وكان قد جاء في فداء أُسارَى بدرٍ قبل أن يُسلم.
وفي رواية للبخاري: "وذلك في أول ما وقر الإيمان في قلبي" (¬2).
وفي رواية: "فوافقتُه وهو يُصلي بأصحابه المغرب أو العشاء، فسمعته وهو يقرأ وقد خرج صوته من المسجد: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 7 - 8]. قال: فكأنما صدع قلبي" (¬3).
وفي رواية: "فسمعته يقرأ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35 - 36]، فكاد قلبي يطير" (¬4). الحديث.
الثالث: أن يتحمل حالة الفسق ويؤدي بعد التوبة المعتبرة، فيُقبل؛ لأن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، والشهادة كالرواية في ذلك إلا إذا كان قد رُدت شهادته ثم أدَّى بعد التوبة تلك الشهادة، فإن الراجح بقاء الرد؛ للتهمة، بخلاف العبد والصبي كما بُيِّن في موضعه.
قولي: (وَمَنْ وَعَى) احتراز عما لو تحمل حال الجنون وأدَّى بعد زواله، فإنه لا عبرة به؛ لأنه لم يكن عند التحمل واعيًا، فتستحيل المسألة، بل لو كان متقطع الجنون وتحمَّل في إفاقة من إفاقاته، لم يصح تحمُّله إلا إن كان زَمَن جنونه لم يؤثر في ضبْطه عند إفاقته، والله أعلم.
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 731)، صحيح مسلم (رقم: 463).
(¬2) صحيح البخاري (رقم: 3798).
(¬3) المعجم الكبير للطبراني (2/ 116، رقم: 1499) وغيره بنحوه.
(¬4) صحيح البخاري (رقم: 4573).
"التبصرة" عن القاضي أبي حامد المروروذي، قال: مع نفيه لدليل الخطاب.
وكذا حكاه الماوردي وجهًا لأصحابنا أيضًا، بل وإذا قُلنا: إنه إنما انتفى بالمفهوم، فقد اختلفوا أيضًا في أن: ذلك من لسان العرب لُغةً؟ أو أَوْجَبه دليلُ الخطاب شرعًا؟
تنبيه:
تظهر ثمرة الخلاف في نحو: (إنما قام زيد وعمرو)، هل يكون "وعمرو" تخصيصًا؟ أو نسخًا؟ أيْ إذا قلنا: إن التخصيص نسخ، وإذا لم يُشترط تراخي دليل النسخ، وإلا فهو في الحقيقة إخراج بعض العام.
ومن فوائده: الاستدلال على الحنفية المنكِرين للمفهوم بنحو: "إنما الشفعة فيما لم يقسم" (¬1). فان كان الحصر في "إنما" بالمفهوم فلا يُستدل به عليهم.
واعلم أن هذا كله في صيغة "إنِّما" بالكسر، وأما "أنَّما" بفتح الهمزة فقد ادَّعى الزمخشري إفادتها أيضا القصر -يعني الحصر- في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108]، وقال: (إنَّ القصر في "إنما" المكسورة الأُولى في الآية: قصر الحكم على الشيء، وفي "أنما" الثانية المفتوحة: قصر الشيء على الحكم) (¬2).
يريد بذلك قصرَ الصفة على الموصوف، وعَكْسَه.
و[بناء] (¬3) المسألة على أن المفتوحة فرع المكسورة على أصح المذاهب، ولهذا ترجم سيبويه باب إن وأخواتها بِـ "باب الأحرف الخمسة"، وعَدَّ المكسورة والمفتوحة واحدًا.
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 2363) بلفظ: (إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ).
(¬2) الكشاف (3/ 139).
(¬3) في (ز): بنى.
غيره، مُكِّنَ منه، ولو وصل بالأصل استثناء يرفع الجميع ثم أراد أن يستثني مرة أخرى، لم يمكَّن مِن ذلك.

الشرط الثاني لصحة الاستثناء:
أن لا يكون مستغرقًا، نحو: (له علَيَّ خمسة إلا خمسة)، فيلزمه الخمسة كما لو لم يستثنِ. وادَّعى جماعة -منهم الآمدي وابن الحاجب- الإجماعَ عليه. لكن الخلاف محكي في بعض المذاهب وإنْ كان شاذًّا.
ففي "المدخل" لابن طلحة في: (أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا) قولان عن مالك. كذا رأيته فيه، ونقله القرافي عنه.
ونقل اللخمى عن بعضهم في: (أنت طالق واحدة إلا واحدة) أن الطلاق لا يقع؛ لأن الندم منتفٍ بإمكان الرجعة، بخلاف: (ثلاثًا إلا ثلاثًا).
وفي "الهداية" للحنفية أن بطلان المستغرق إنما هو في نحو: (نسائي طوالق إلا نسائي)، أو: (أو صيت بثلث مالي إلا ثلث مالي). لا في نحو: (نسائي طوالق إلا هؤلاء) مشيرًا إليهن، أو: (ثلث مالي إلا ألف درهم) وهو ثلثه.
قالوا: لأنَّ الاستثناء تصرُّف، فيبنى على صحة اللفظ، لا على صحة الحكم؛ ولهذا لو قال: (أنت طالق عشر طلقات إلا ثمانيًا) يقع طلقتان، ويصح الاستثناء وإن كان العَشر لا صحة لها مِن حيث الحكم.
وأما عند الشافعية فمحل بطلان المستغرق ما لم يعْقب المستغرق استثناء بعضه، كَـ: (عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة) فإنَّ فيه وجوهًا:
أحدها: يلزمه عشرة، فإن الاستثناء الأول لم يصح، والثاني مُرتب عليه.
وثانيها: يلزمه ثلاثة، واستثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا اقتصر عليه. أما إذا عقبه
حيث قالوا: إنه وجود الحكم عند وجود الوصف. وعَليه جرى في "جمع الجوامع".
والثانية: المقارنة فيما سوى صورة النزاع. وهو الذي عزاه في المحصول للأكثرين، وجرى عليه البيضاوي. فيثبت حينئذٍ الحكم في صورة النزاع؛ إلحاقًا للفَرد بالأَعَم الأغلب، فإنَّ الاستقراء يدل على إلحاق النادر بالغالب.
ولكن هذا ضعيف؛ فقد يُمْنَع أنَّ كل نادر يلْحَق بالغالب؛ لِمَا يَرِد عليه مِن النقوض الكثيرة.
وأيضا: فلا يَلْزَمُ مِن غَلبة الاقتران كَوْنُه عِلة للحكم.
الثالثة: أنْ يقارِن في صورة واحدة.
وهذا ضعيف جدًّا؛ لأن مَن يقول بالطرد فإنما مستنده غَلبة الظن عند التكرر، والفَرْض عَدَمه.
فيثبت بذلك أنَّ الطرد لا يدل على عِلية الوصف مطلقًا. وهذا أرْجَح المذاهب فيه وإنْ حصل بالمقارنة تقوية ما، وهو ما عليه الجمهور كما قاله إمام الحرمين وغيره؛ فإنه لا يُفيد عِلمًا ولا ظنًّا، فهو تَحَكُّم.
قال القاضي والأستاذ: مَن طرد عن غرر فجاهل، ومَن مارس الشريعة واستجازه فهازئ بالشريعة.
قال: ومثَّل الحليمي فساد الوضع والمخيل والطرد: الأول بِمَن تنسم نسيمًا باردًا فقال: وراءه حريق، والثاني بمن رأى دخانًا فقال: وراءه حريق، والثالث بمن رأى غبارًا فقال: وراءه حريق.
قال ابن السمعاني في "القواطع" وغيره مِن علمائنا: (قياس المعنى تحقيق، والشَّبه

الصفحة 66