كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

نُسخة (ت):
نُسخة (ص):
المثال الثامن:
جاء في رسالة الباحث الثاني (ص 969):
جواب كلها ببيان ضده * بحجة قامت له بقصده
قلتُ (عبد الله): وقع خطأ في كلمة "ببيان"، مما أَدَّى إلى كَسْر الوزن، فالصواب (كما في جميع المخطوطات) هكذا:
879 - جَوَابُ كُلِّهَا بَيَانُ ضِدِّهِ ... حُجَّةٍ قَامَتْ لَهُ بِقَصْدِهِ
وهذه صُوَر من المخطوطات:
نُسخة (ض):
نُسخة (ش):
نُسخة (ت):
(ص):
المثال التاسع:
جاء في رسالة الباحث الثاني (ص 1000):
وعنه الاستحسان عند قائله ... أبي حنيفة أنِمْ من دلائله
قلتُ (عبد الله): وقع خطأ في كلمة "أنِمْ"، مما أَدَّى إلى كَسْر الوزن، فالصواب (كما في جميع المخطوطات) هكذا:
900 - وَمِنْهُ "الِاسْتِحْسَانُ" عِنْدَ قَائِلِهْ ... أَبِي حَنِيفَةَ، انْمِ (¬1) مِنْ دَلَائِلِهْ
¬__________
(¬1) يعني: انقل ذلك عنه.
بالمعروف على إطلاقهما، ونسيان القرآن وإحراق الحيوان).
قال: (وقد أشار الغزالي في "الإحياء" إلى مثل هذا التوقف) (¬1).
انتهى وتَعقَّبه النووي في نسيان القرآن بحديث أبي داود والترمذي: "عُرضَتْ علَيَّ ذنوب أُمتي، فلم أرَ ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أُوتيها رجُل ثم نسيها" (¬2). قال: (لكن في إسناده ضعف، وتكلم فيه الترمذي) (¬3).
وقولي: (وَغَيْرُهُ صَغِيرَةٌ بِلَا انْتِهَا) إشارة إلى أن ما سوى ما ذُكر في تعريف "الكبيرة" وأمثلتها هو "الصغيرة"، ولا انتهاء لأمثلتها ولا حصر؛ فلذلك لم أُورِد لها مثالًا؛ لوضوحه. ولا بأس بذكر شيء من ذلك؛ زيادة في الإيضاح، أو للخفاء، أو للخلاف فيه.
فمِن ذلك ما نقله الرافعي عن صاحب "العدة": النظر إلى ما لا يجوز، والغيبة، والكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر، والإشراف على بيوت الناس، وهجر المسلم فوق الثلاث، وكثرة الخصومات وإن كان مُحِقًّا، والسكوت على الغيبة، والنياحة، والصياح، وشق الجيب في المصيبة، والتبختر في المشي، والجلوس مع الفساق إيناسًا لهم، والصلاة المنهي عنها في أوقات النهي، والبيع والشراء في المسجد، وإدخال الصبيان والمجانين فيه، وإمامة قوم يَكرهونه؛ لِعَيْبٍ فيه، والعبث في الصلاة والضحك فيها، وتَخطي رقاب الناس يوم الجمعة، والكلام والإمام يخطب، والتغوط مُستقبِل القِبلة أو في طريق المسلمين، وكشف العورة في الحمام.
قال: ولك أن تقول في كثرة الخصومات من المُحِق: ينبغي أن لا يكون معصية إذا
¬__________
(¬1) العزيز شرح الوجيز (13/ 7).
(¬2) سنن الترمذي (رقم: 2916)، سنن أبي داود (رقم: 461). قال الألباني: ضعيف. (ضعيف سنن الترمذي: 2916).
(¬3) روضة الطالبين (11/ 223).
الإشارة، وهي قريبة من النطق.
ثم بعد ذلك الصفة غير المناسبة سِوَى العَدد، فدخل تحت ذلك العِلَّة والظرف والحال، فتكون في مرتبة واحدة، لكن ينبغي تقديم العلة؛ لدلالتها على الإيماء، فقربتْ من المنطوق.
ثم بَعد الثلاثة مِن الصفة: العَدد؛ لإنكار كثير له كما سبق وإنْ كان الأرجح خِلافه.
ثم بَعد ذلك مفهوم تقديم المعمول؛ لِمَا سبق من إنكار بعضهم إفادته الاختصاص، وبتقدير ذلك فهل الاختصاص الحصر؟ أو أَعَم منه؟ فأُخِّر عن الكل لذلك، والله أعلم.
ص:
477 - وَمَا بِإسْمٍ عُلِّقَ الْحُكْمُ "لَقَبْ" ... وَلَيْسَ حُجَّةً، وَبَعْضٌ ارْتَكَبْ
الشرح:
أي: ما سبق من المفاهيم هو المعتبر، وأما "مفهوم اللقب" فليس بحجة.
ومفهوم اللقب: أَنْ يعلق الحكم بِاسْم عَلَم (نحو: أَكْرِم زيدًا) أو اسم نوع (نحو: في الغنم الزكاة)، فلا يدل على نفي الحكم عَمَّا عداه.
وقد نَص عليه الشافعي كما قاله إمام الحرمين في "البرهان"، وقال الأستاذ أبو إسحاق: لم يختلف قول الشافعي وأصحابه فيه.
وقولي: (وَبَعْضٌ ارْتَكَبْ) أي: وقد ارتكب بعض العلماء القول بِحُجِّيَّة مفهوم اللقب، والمشتهر عنه ذلك أبو بكر الدقاق محمد بن محمد بن جعفر القاضي الأصولي الفقيه الشافعي، ناظره الأستاذ أبو إسحاق فيه، وقال عنه في "شرح الترتيب": إنه ممن يُنسب إلى أصحاب الحديث والشافعي، وكان معتزلي الذهب في الأصل، وتمذهب بمذهب الكعبي في أن أصل الأشياء على الحظر. وتوفي الدقاق سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
وكذا: (لا أُجامِع في السَّنة إلا مَرة) معناه: لا أجامع زائدًا على المرة. وإذا مضت ولم يجامع، صدق ما حلف عليه، فليس ذلك منافيًا لقاعدتهم.
فإنْ قيل: تقرير المسألة على هذا الوجه يقتضي أن الحنفية يخالفون في الأمرين، لكن الإمام الرازي وطائفة إنما يحكون الخلاف عن الحنفية في أن الاستثناء من النفي إثبات أوْ لا، وأن الاتفاق على أن "الاستثناء مِن الإثبات نَفْي".
قيل: قد حكى الخلاف في الأمرين معًا القرافي، فقال: (إن الخلاف موجود عندهم) (¬1).
وكذا حكى عن بعضهم ذلك الصفي الهندي وغيره. ولا تَعارُض بين النقلين؛ فإنَّ:
- مَن حكى تعميم الخلاف، أراد ما قررناه من ثبوت الواسطة بين الحكمين وهو عدم الحكمين؛ بِناءً على أنَّ تَقابُلَ حُكم المستثنى والمستثنى منه تَقابُلُ نقيضين عندهم (حُكم، وعَدَم حُكم) وتقابُل ضدين عند الجمهور.
- ومَن حكى الاتفاق في صورة الاستثناء من الإثبات على أنه نَفْي، أراد الاتفاق على أصل النفي فيه، لا على أن النفي مستند للاستثناء كما قررناه. فلا يظهر حينئذٍ للخلاف معهم في الإثبات فائدة.
قلتُ: قد يقال: تظهر فائدته في تعارض مع ما قام عليه دليل شرعي، فإنه يُقدم ما قام الدليل عليه؛ لأن الاستناد للأصل لا يقاومه.
وتظهر أيضًا في أنه هل يقاس عليه؟ أو لا؟ فإن النفي إذا كان بالأصالة، لا يقاس عليه؛ لأن شرط الحكم في الأصل أن يكون بدليل.
وتظهر أيضًا في أنَّ رَفْعه بدليل هل يكون نسخًا؟ فإنْ كان باعتبار أنه نَفْي أصلي فلا
¬__________
(¬1) نفائس الأصول (2/ 602).
ثُم تَخلُّف الحكم عن الوصف إما في وصف ثبتت عِليته بنص قطعي أو ظني أو باستنباط. والتخلُّف إما لمانع أو فَقْد شرط أو غيرهما. فهي تسعة؛ مِن ضرب ثلاثة في ثلاثة.
فأَرجَح المذاهب فيه أنه قادح في الأحوال التسع. وهذا مذهب الشافعي وجميع أصحابه إلا القليل منهم كما قاله ابن السمعاني في "القواطع"، (قال: وهو قول كثير من المتكلمين. وقالوا: تخصيصها نَقْضٌ لها، ونقضُها يتضمن إبطالها) (¬1).
وعلى هذا فالفَرق بين هذا وبين جواز تخصيص العموم ويبقى في الباقي حُجة على المرجَّح كما سبق - أنَّ العام يجوز إطلاقه على بعض ما تَناوَله، فإذا خُصَّ فلا محذور فيه. وأما العِلة فهي المقتضية للحُكم، فلا يتخفَف مقتضاها عنها، فَشُرِط فيها الاطِّراد.
نعم، في "شفاء الغليل" للغزالي أنه لا يُعْلم للشافعي في ذلك نَص. وكأنه يريد صريحًا أو فيما اطَّلع عليه، وإلا فمناظرات الشافعي مع خصومه طافحة بذلك. وقد حفظ غيرُه عن الشافعي ذلك، بل جعلوا ذلك مِن مُرجِّحات مذهب الشافعي على غيره من المذاهب، وهو أنَّ عِلل مَذهبه لا يقع فيها نَقْض، بل هي سالمة منه.
وأطال السبكي في "شرح المختصر" في نَصْر هذا القول وأطاب واستطرد إلى ما في مذهبنا مِن القواعد التي تستثنى منها، فذكرها وأحال بسطها على كتابه في القواعد، فليراجَع ما أشار إليه في ذلك منهما.
والمذهب الثاني: أنَّ النقض لا يَقدح مطلقًا. وهو المنقول عن أكثر أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد، وشهرته عن الحنفية أكثر غير أنهم ما سمحوا بتسميته "نقضًا" وسموه "تخصيص العِلة".
لكن ابن السمعاني قال: (إن هذا قول العراقيين منهم، وقال أبو زيد: إنه مذهب أبي
¬__________
(¬1) قوطع الأدلة (2/ 186).

الصفحة 76