كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

المثال العاشر:
جاء في رسالة الباحث الثاني (ص 1161):
وغيرهم في بُعد أو في قُرب ... وروى الكثير من ذا الضرب
قلتُ (عبد الله): وقع خطأ في كلمة "رَوَى"، مما أَدَّى إلى كَسْر الوزن، فالصواب:
1003 - وَغَيْرِهِمْ في بُعْدٍ اوْ في قُرْبِ ... وَرُوِيَ الْكَثِيرُ مِنْ ذَا الضَّرْبِ

القسم الخامس: أخطاء في وضع علامات الترقيم؛ جَعَلَتْ النَّص مُشَوَّهًا:
وذلك أَدَّى إلى: خَلَل في الفَهْم، والخلط بين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلام الشُراح، والخلط بين كلام البرماوي وكلام غَيْره، وذلك بإدخال كلام البرماوي في كلام غَيْره، والعكس. ويتضح ذلك بالأمثلة التالية:
المثال الأول:
جاء في رسالة الباحث الأول (ص 725):
قال ابن السمعاني: وهو الأشبه بمذهب الشافعي رحمه الله، قال: وهو الصحيح إلا أنه لم يتكلم إلا فيما ظهر فيه قصد القربة ولو مجردا عن إمارة الوجوب (3).
قلتُ (عبد الله): الذي يظهر من صنيع الدكتور أن كل ما بعد "قال: " هو كلام ابن السمعاني، لكن الصحيح أن كلام البرماوي يبدأ من: (إلا أنه).
وفيما يلي صورة من تحقيقي (ص 1/ 393) توضح الصواب في وضع علامات الترقيم:
قال ابن السمعاني: (وهو الأشبه بمذهب الشافعي) (1)، قال: (وهو الصحيح). إلَّا أنه لم يتكلم إلَّا فيما ظهر فيه قَصْد القُربة ولو مجردًا عن إمارة الوجوب.
راعَى حدَّ الشرع، وتخطي الرقاب؛ فإنه معدود من المكروهات، لا محُرَّم، وكذا الكلام والإمام يخطب -على الأظهر.
قال النووي: (المختار أن التخطي حرام؛ للأحاديث فيه) (¬1).
قال: (والصواب في الخصومات ما قاله الرافعي، وأنَّ البيع والشراء في المسجد وإدخال الصبيان إذا لم يغلب تنجيسهم إياه والعبث في الصلاة -من المكروهات مشهور) (¬2).
قال: (ومن الصغائر: القُبلة للصائم التي تُحرك شهوته، والوصال في الصوم على الأصح، والاستمناء، ومباشرة الأجنبية بغير جماع، ووطء الزوجة المظاهر منها قَبل التكفير والرجعية، والخلوة بالأجنبية، ومسافرة المرأة بغير زوج ولا محَرم ولا نسوة ثقات، والنجش، والاحتكار، والبيع على بيع أخيه، والسوم والخطبة كذلك، وبيع الحاضر للبادي وتَلَقّي الركبان، والتصرية وبيع المعيب مِن غير بيانه، واتخاذ الكلب الذي لا يُباح اقتناؤه، وإمساك الخمر غير المحترمة، وبيع العبد المسلم من الكافر (¬3) والصحف وسائر كُتب العِلم الشرعي، واستعمال النجاسة في البدن لغير حاجة، وكشف العورة في الخلوة لغير حاجة -على الأصح، وأشباه ذلك) (¬4).
والله أعلم.
¬__________
(¬1) روضة الطالبين (11/ 224).
(¬2) المرجع السابق.
(¬3) كذا في جميع النُّسخ. وعبارة النووي في (روضة الطالبين، 11/ 225): (وَبَيع الْعَبْدِ المُسْلِمِ لِكَافِرٍ).
(¬4) روضة الطالبين (11/ 225).
قال ابن الرفعة وغيره: لم يَقُل بمفهوم اللقب من أصحابنا غيره.
وليس كذلك؛ فقد قال سليم: إنه صار إليه من أصحابنا الدقاق وغيره.
وكذا حكاه ابن فورك عن بعض أصحابنا، ثم قال: وهو الأصح.
وكذا نقل إلْكِيَا في "التلويح" عن ابن فورك أنه كان يميل إليه ويقول: إنه الأظهر والأَقْيَس.
وحكاه السهيلي في "نتائج الفكر" في "باب العطف" عن أبي بكر الصيرفي.
قيل: ولَعلَّه تحرَّفَ عليه بالدقاق أبي بكر.
ونقله عبد العزيز في "التحقيق" عن أبي حامد [المروروذي] (¬1)، لكن المعروف أن أبا حامد ينكر المفهوم مطلقًا.
وقال إمام الحرمين: (القول باللقب صار إليه طوائف من أصحابنا) (¬2).
ونقله أبو الخطاب الحنبلي في "التمهيد" عن منصور بن أحمد (¬3)، ومنهم من عزاه إلى أحمد نفسه. قال أبو الخطاب: وبه قال مالك وداود وبعض الشافعية.
ونقله المازري عن ابن خويز مِنداد من المالكية، وحكاه الباجي عنه وعن ابن القصار.
و"خويز مِنداد" بالميم المكسورة، وعن ابن عبد البر بالموحدة بدلها.
وقال المازري: نسب إلى مالك القول به؛ لاستدلاله في "المدونة" على عدم إجزاء الأضحية إذا ذبحت ليلًا؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:
¬__________
(¬1) في (ز): المروزي.
(¬2) البرهان في أصول الفقه (1/ 301).
(¬3) هنا آخِر نُسخة الأزهرية (ز).
يكون رفْعه نسخًا؛ لِمَا سيأتي في أبواب هذه الأمور تقرير ذلك وإيضاحه.

تنبيهات
أحدها: ما قاله الحنفية موافق لقول نحاة الكوفة. وأبو حنيفة - رضي الله عنه - لما كان كوفيًّا كان مذهبه ذلك.
وما قاله الجمهور موافق لقول سيبويه والبصريين. والإمام الرازي وإنْ وافقهم في "المحصول" لكنه وافق الأوَّلِين في "المعالم" وفي "تفسيره" في سورة النساء.
الثاني: الاستثناء المتصل هو الذي تأتي فيه هذه المسألة والاختلاف فيها؛ لأن فيه إخراج.
أما المنقطع فالظاهر أن ما بعد "إلا" فيه محكوم عليه بضد الحكم السابق. فإنَّ مساقه هو الحكم بذلك. فنحو: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] المراد أن لهم اتباع ظن، لا عِلم وإنْ لم يكن الظن داخلًا في العلم، هذا إذا جُعل منقطعًا. وَقِسْ على ذلك.
لكن هل يجري ذلك في التام والمفرغ؟ أو لا يجري في المفرغ؟
قيل: الظاهر هو عدم إجراء الخلاف فيه، وأن الاستثناء فيه إثبات قطعًا؛ لأن قولك: (ما قام إلا زيد) ليس معك شيء ثبت له القيام فيكون فاعلًا إلا زيد، فيكون متعينًا للإثبات بالضرورة، بخلاف قولك: (ما قام أحد إلا [زيد]) (¬1).
نعم، حكى القرافي في "العقد المنظوم" عن الحنفية أنهم أجروا ذلك في التام والمفرغ، قال: (ويلزمهم أن يعربوا "زيد" في: "ما قام إلا زيد" بدلًا، لا فاعلًا، ويكون الفاعل
¬__________
(¬1) في (ت): زيدا.
حنيفة وأصحابه. وأما الخراسانيون منهم فقالوا بالقول الأول، حتى قال الماتريدي منهم: تخصيص العِلة باطل).
قال: (ومَن قال بتخصيصها فقد وَصَفَ الله - عز وجل - بالسَّفَه والعبث) (¬1)؛ إذْ أيُّ فائدة في وجود العِلة ولا حُكم؟ !
والثالث: لا يقدح في المنصوصة مطلقًا في صورها الست، ويقدح في المستنبطة في صوَرها الثلاث.
الرابع: عكْسه، وهو القدح في المنصوصة مطلقًا وعدم القدح في المستنبطة. كذا أَطلق حكايته ابن الحاجب، ولكن قَيده السبكي في شرحه بأنه لا يقدح في المستنبطة إذا كان بمانع أو عدم شرط، بدليل ما ذكره ابن الحاجب بعده وهو:
الخامس: أنه لا يقدح في المستنبطة ولو بلا مانع أو عدم شرط، دُون المنصوصة. خلافًا لِمَا يُطْلقه كثيرٌ مِن شراح "المختصر"، فإنه يَلْزَم منه تكرار.
والسادس: أنه إذا كان التخلُّف لمانع أو فَقْد شرط فلا يقدح مطلقًا، سواء في العلة المنصوصة والمستنبطة. واختاره البيضاوي والهندي.
السابع: يقدح مطلقًا إلا أنْ يَرِد على سبيل الاستثناء ويعترض على جميع المذاهب كالعرايا. وحكاه في "جمع الجوامع" عن الإمام الرازي.
ولكن الذي في "المحصول" أنه إنْ تَخلَّف لمانع فلا يقدح، وإلا قدح.
ثم قال: (فإنْ كان واردًا على سبيل الاستثناء فقال قوم: لا يقدح، سواء أكانت العلة معلومة أو مظنونة. أمَّا المعلومة فلأَنَّا نَعلم أنَّ مَن لم يُقْدم على جناية، لم يؤاخَذ بضمانها. ثم
¬__________
(¬1) قواطع الأدلة (2/ 186).

الصفحة 77