كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

المثال الثاني: جاء في رسالة الباحث الأول (ص 716):
الأمرين، فلذلك لم أفرده فى النظم قسما، بل حذفته من قول صاحب "جمع الجوامع".
وفيما تردد بين الجبلى والشرعي، كالحج راكبا، تردد (1).
قلتُ (عبد الله): الذي يظهر من علامات الترقيم التي وضعها الدكتور (¬1) أن عبارة: (وفيما تردد ... ) من كلام البرماوي، لكن الصحيح أنها من كلام السبكي.
وفيما يلي صورة من تحقيقي (ص 389) توضح الصواب في وضع علامات الترقيم:
الطريقين ليس قِسمًا خارجًا عن الأمرين؛ فلذلك لم أفّرده فى النَّظْم قِسمًا، بل حذفتُه مِن قول صاحب "جمع الجوامع": (وفيما تَرَدَّد بين الجِبِلِّى والشرعي - كالحج راكبًا - تَرَدُّد) (4).
المثال الثالث: جاء في رسالة الباحث الثاني (ص 896):
ومه: الجنين شبه الجزء والمنفرد. فإذا قال بعتكها إلا حملها فعلى الأول باطل. كما لو استثنى جزءٌ. وعلى الثانى: صحيح. كما لو قال: بعتك الاثنين إلا هذا الثانى: بنى القاضي قياس الشبه. على أن المصيب من المجتهدين واحد أو الكل؟
وفيما يلي صورة من تحقيقي (ص 1998) توضح الصواب في علامات الترقيم:
ومنه: الجنين يُشبه الجزء والمنفرد. فإذا قال (بعْتُكها إلا حملها)، فعَلَى الأول باطل. كما لو استثنى جزءًا, وعلى الثانى: صحيح كما لو قال: (بِعْتُك الاثنين إلا هذا).
الثاني: بَنَى القاضي قياس الشَّبه على أنَّ المصيب مِن المجتهدين واحد؟ أو الكل؟ فعَلَى
¬__________
(¬1) لكن القارئ إذا نظر إلى الهامش الذي وضعه الدكتور، يمكنه أن يدرك الصواب.
ص:
291 - مِنْ أَجْلِ هَذَا يُقْبَلُ الْمُبْتَدِعُ ... لِأَنَّهُ بِجَهْلِهِ يَبْتَدِعُ
292 - مَا لَمْ يُبِحْ مِنْ كَذِبِ الْكَذَّابِ ... شيْئًا، فَذَا يُرَدُّ كَالْخَطَّابِي
الشرح:
أي: من أجل أن العدالة هي الملَكة المذكورة قُبلت رواية المبتدعة وشهادتهم، وهُم الذين انتحلوا ما ليس عليه أهل السُّنة من العقائد، وإنما قُبلوا لحصول الملَكة عندهم، لأن المبتدع منهم إنما قال ببدعته جهلًا منه أنها ليست معصية فضلًا عن كونها كبيرة، لكن يُستثنى منهم مَن يستبيح الكذب كالخطابية، فإنه لا يُقبل، وهُم قوم من غلاة الشيعة أصحاب أبي الخطاب الأسدي، كان -لعنه الله تعالى- يقول بإلَاهِيَّة جعفر الصادق ثم ادَّعى [الإلاهية] (¬1) لنفسه، وكان يزعم أنَّ الأئمة أنبياء، وفي كل وقت رسول، إلى غير ذلك من الضلال. الواحد منهم خطابي، وهو معنى قولي: (كَالْخَطَّابِي).
وملخص ما في المسألة مذاهب، أرجحها: أن المبتدع يُقبل مطلقًا إلا حيث كفرناه ببدعته، أو لم نكفره ولكن من عقيدته جواز الكذب، كالخطابية، ولكن محل ذلك إذا لم يوافقوا أبا الخطاب على ما هو كافر به مما سبق، وإلا فلا يُقبَلون؛ لأمرين: لِهَذا، وللكفر. فإنما يصح التمثيل به بالتأويل الذي ذكرناه.
وإنما ذكرتُ في النَّظم استثناء مَن يبيح الكذب؛ لأنَّ مَن يكفر ببدعته داخلٌ فيما سبق من رد الكافر مطلقًا. وهذا معنى قول ابن الحاجب: (إن المبتدع بما يتضمن الكفر كالكافر عند
¬__________
(¬1) كل النسخ: الإلهية.
28]. قال: فذكر الأيام ولم يذكر الليالي.
وزُيِّفَ هذا المذهب بأن المصير إليه يلغي تعيين كل ما اعتبر الشارع عَيْنه، ويستلزم إنكار قيام كل مَن في العالم عند قولنا: (زيد جالس)، ويَلزم تكفير مَن قال: عيسى رسول الله. ويمكن الجواب عن ذلك بأن المفهوم إنما يُحتج به عند عدم معارضة منطوق.
وفي المسألة مذهب ثالث بالتفصيل بين أسماء الأنواع فيعتبر مفهومها، وبين أسماء الأشخاص فلا يُعتبَر.
ووقع في كلام جماعة من أئمتنا -كالشيخ أبي حامد وابن السمعاني وغيرهما- ذِكر مفهوم الأعيان، قالوا: وهو كقولك: "في هذا المال زكاة"، و"على هذا الرجل حج". قالوا: وهو كاللقب.
والمتأخرون اكتفوا باسْم اللقب عن الكل، فإن المراد ليس اللقب عند النحاة الذي هو أحد أنواع العَلم مقابلًا للاسم و [الكنية] (¬1)، إنما المراد اللغوي وهو مطلق الاسم سواء أكان اسم جنس أو عَلمًا، ولا يخرج به إلا الصفات المشتقة؛ فإنها من قبيل مفهوم الصفة كما سبق.
وبه صرح ابن السمعاني، وأوضح ابن الحاج في "تعليق المستصفى" ذلك، قال: فإنه قد يكون الاسم مشتقًا ولكنه في معنى الجامد؛ لغلبة الاسمية عليه، كتمثيل الغزالي اللقب بحديث: "لا تبيعوا الطعام بالطعام" (¬2)، وكذا لا فرق بين قولنا: "في الغنم زكاة" و"في الماشية زكاة"؛ لأن الماشية هان كانت مشتقة لكن لم يُلحظ فيها المعنى، بل غلب عليها الاسمية.
¬__________
(¬1) في (ق): الصفة.
(¬2) سبق تخريجه.
مضمرًا، أي: "ما قام أحد إلا زيد". لكن حَذف الفاعل ممتنع عند النحاة) (¬1).
قلت: لا بُدَّ في الاستثناء المفرغ مِن معنى محذوف يُستثنَى منه وإنْ لم يُقَدَّر لفظُه على المرجَّح، فالقول بجريان الخلاف فيه غير بعيد.
الثالث:
من أدلة الجمهور أنَّ "لا إله إلا الله" لو لم يكن المستثنى فيه مُثبتًا لم يكن كافيًا في الدخول في الإيمان، ولكنه كاف باتفاق. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" (¬2). فجعل ذلك غاية المقاتلة.
وقد أجابوا بأن الإثبات معلوم، وإنما الكفار يزعمون شِركة، فنُفيت الشركة بذلك. أو أنه وإنْ كان لا يفيد الإثبات بالوضع اللغوي لكن يفيده بالوضع الشرعي، فإنَّ المقصود نَفْي الشريك، وهو مُستلزِم للثبوت. فإذا قلتَ: (لا شريك لفلان في كرمه)، اقتضى أن يكون كريمًا.
وأيضًا فالقرائن تقتضي الإثبات؛ لأنَّ كل مُتلفِّظ بها ظاهرٌ قَصْده إثباته واحدًا، لا التعطيل.
ورُدَّ ذلك بأن الحكم قد عُلِّق بها بمجردها؛ فاقتضى ذلك أنها تدل بلفظها دُون "شيء زائد" الأصلُ عَدَمُه.
قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": وكل هذا عندي تشغيب ومراوغات جدلية، والشرع خاطب الناس بهذه الكلمة وأمرهم بها؛ لإثبات مقصود التوحيد، وحصل الفهم
¬__________
(¬1) العقد المنظوم (2/ 226).
(¬2) سبق تخريجه.
هذا لا ينتقض بضرب الدية على العاقلة؛ لخروج ذلك بالدليل.
وأما المظنونة فكالتعليل بالطعم، فإنه لا ينتقض بمسألة العرايا، فإنها وَرَدَت على سبيل الاستثناء رخصةً).
ثم قال: (واعْلم أنا [لا] (¬1) نَعلم ورود [التنصيص] (¬2) على سبيل الاستثناء إلا إذا كان لازمًا على جميع المذاهب، مثل مسألة العرايا، فإنها لازمة على جميع العِلل كالقوت والكيل والمال والطعم.
وإنما قلنا: إنَّ الوارد على مورد الاستثناء لا يقدح في [العلة] (¬3) لأنَّ الإجماع لما انعقد على أنَّ حُرمة الربا لا تُعَلل إلا بأحد الأمور الأربعة فإنَّ مسألة العرايا واردة على أربعتها، فكانت واردة على علة قطعنا بصحتها. فالنقض لا يقدح في مثل هذه العلة. وأما أنه هل يجب الاحتراز عنه في اللفظ؟ فقد اختلفوا فيه، والأَوْلى الاحتراز منه) (¬4). انتهى ملخصًا.
والثامن: إنْ كانت علة حظر، لم يَجُز تخصيصها، وإلا جاز. حكاه القاضي عن بعض المعتزلة.
التاسع: يقدح في المنصوصة إلا إذا كان بظاهر عام، فإنه إذا كان بقاطع، لم يتخلَّف الحكم عنه. وإذا كان خاصًّا بمحل الحكم، لم يثبت التخلُّف، وهو خِلاف الفَرْض.
وأما في المستنبطة فيجوز فيما إذا كان التخلف لماح أو انتفاء شرط، ويقدح فيما إذا كان التخلُّف دُونهما. وهو مختار ابن الحاجب.
¬__________
(¬1) في (ص، ق): إنما.
(¬2) كذا في جميع النُّسخ. والذي في المحصول (5/ 258): النقض. الناشر: مؤسسة الرسالة.
(¬3) كذا في (ص، ق)، لكن في (س): العلية.
(¬4) المحصول (5/ 256 - 258). طبعة: مؤسسة الرسالة.

الصفحة 78