كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

الرسالة الثامنة: عام 2002 م، وقد تناولت الأبيات من رقم (763) إلى (890).
الرسالة التاسعة: عام 2003 م، تناولت الأبيات من رقم (891) إلى (1032).
وإليكم ملاحظاتي على بعض هذه الرسائل:

ملاحظاتي على الرسالة الثالثة
اعتمدت الباحثة في تحقيقها على نُسختَيْن فقط: (ص، ت).
ولم تتوفر لديها النُّسَخ: (ز، ش، ض، ق، ظ، ن 1، ن 2، ن 3، ن 4، ن 5).
وقد تناولت هذه الرسالة (112) بَيْتًا فقط مع شرح البرماوي، وهي الأبيات من رقم (257) إلى (368).
ولقد كَثرت الأخطاء في هذه الرسالة في أبيات الألفية، ولم أَقُم بِحَصْر عَدَدها؛ لِضِيق الوقت.
لكن يكفي أنْ يَعْلم القارئ أن الباحثة بدأت رسالتها من البيت رقم (257)، ثم فوجئتُ بثلاثة أخطاء في البيتين (259، 260)! !
وأكتفي هنا الآن بذكر ثلاثة أمثلة:
المثال الأول:
جاء في رسالة الباحثة (الشطر الأول من البيت: 278): إن شاع عن كذا المشهور.
وهذه صورة من رسالتها:
والصواب كما في تحقيقي: إنْ شَاعَ عَنْ أَصْلٍ [فَذَا] (¬1) الْمَشْهُورُ.
¬__________
(¬1) في (ق، ت، ن 1، ن 3، ن 4، ن 5): فذا. وفي (ض، ص، ش): كذا. وفي (ز، ن 2): هو.
قال الخطيب البغدادي: (ويروى ذلك عن مالك).
واستبعده ابن الصلاح بأن كُتب الأئمة طافحة بالرواية عن المبتدعة.
قال ابن دقيق العيد: لعل هذا القول مبني على مَن كفر ببدعته.
ورُد بأنَّ الفرض فيمن لم يكفر، وإنما مأخذهم أن البدعة نفسها فِسق، ولم يُعذر صاحبها بتأويله، قالوا: فهو فاسق ببدعته وبجهله بها.
الخامس: إنْ كان داعية إلى بدعته -أيْ بإظهارها وتحقيق علتها- لم يُقبل. فإنْ كان مع ذلك يَحمل الناس على القول بها، فقال أبو الوليد الباجي: لا خِلاف في ترك حديثه.
وممن قال بالتفصيل بين مَن يدعو إلى بدعته أوْ لا: سليم في "التقريب"، وحكاه القاضي عبد الوهاب في "الملخص" عن مالك؛ لقوله: لا تأخذ الحديث مِن صاحب هوًى يدعو إلى هواه.
قال القاضي عياض: يحتمل ذلك، ويحتمل أن مراده: لا يُقبل مطلقًا؛ لأن المبتدع يدعو إلى هواه، فهو بيان لسبب تهمته.
قال: وهذا هو المعروف من مذهبه.
قال الخطيب: والتفصيل أيضًا مذهب أحمد. ونسبه ابن الصلاح للأكثرين، قال: وهو أعدل المذاهب وأَوْلاها.
وفي الصحيحين كثير من أحاديث المبتدعة غيْر الدعاة احتجاجًا واستشهادًا، [كعمر بن خطاب] (¬1) وداود بن الحصين وغيرهما، ونقل ابن حبان الإجماع على ذلك.
¬__________
(¬1) كذا في (ز، ض، ش). وفي سائر النُّسخ: عمر بن الخطاب. ويظهر أن هذا خطأ من النّساخ؛ فالفقرة بتمامها أخذها البرماوي من كتاب "البحر المحيط" لشيخه الزركشي، وعبارة الزركشي في (البحر =
المناسب وهو محل العبادة، فلا تمنع منه، بخلاف غيره. وقد حصل الجواب عما سبق في "اقرصيه بالماء"، و"تربتها طهورًا".

تنبيه
حيث قلنا باعتبار مفهوم من المفاهيم السابقة ففيه بحثان:
الأول:
ظاهر كلام كثير من القائلين به أن محله في الإنشاء، لا في الخبر؛ ولهذا لَمَّا ذكر ابن الحاجب من اعتراضات المانع أنه: (لو ثَبتَ، لَثَبتَ في الخبر، وهو باطل؛ لأن مَن قال: "في الشام الغنم السائمة" لم يدل على خِلافه قطعًا)، ثم قال:
(وأجيب بالتزامه، وبأنه قياس في اللغة).
قال: (ولا يستقيمان). لأن الالتزام مكابرة مخالفة المنقول. ولو سُلم ثبوته في الخبر فليس ذلك قياسًا في اللغة، بل باستقراء.
ثم قال: (إن الحقَّ -أيْ في الجواب- الفَرق بين الخبر والإنشاء، فإنَّ الخبر وإنْ دَلَّ على أن المسكوت عنه غير مُخْبَر به فلا يلزم أن لا يكون حاصلًا).
أي: في الخارج؛ لجواز أن يكون حاصلًا ولم يخبَر عنه؛ لأن الخبر يفتقر إلى خارج وهو مُتعلَّقُه.
: (بخلاف الحكم -أي الإنشائي- إذْ لا خارج له حتى يجري فيه ذلك) (¬1).
¬__________
(¬1) هذا تتمة كلام ابن الحاجب في مختصره الأصولي (2/ 464 - 469) مع (بيان المختصر).
بعيد؛ لأنه استثناء مفرغ، وكل مفرغ متصل) (¬1).
على أن هذا الحديث بهذا اللفظ لا يُعرف، إنما المعروف: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (¬2). أخرجه مسلم.
نعم، في ابن ماجه: "لا تقبل صلاة إلا بطهور" (¬3). ولو مثلوا بحديث: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" (¬4) الثابت في "الصحيحين" لكان أجود.
قال السبكي في "شرح البيضاوي": (وقع لي في بعض المجالس الاستدلال للحنفية بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، فإنه لو اقتضى الإثبات لَلَزِمَ أن يُكلف كل نفس بجميع وُسعها؛ لأنَّ "وُسْع" مفرد مضاف؛ فكان عامًّا، فيصير التقدير: "لا يكلف الله نفسًا بشيء إلا بكل ما تسعه، فإنها مكلَّفة به". وليس كذلك).
قال: (واستحسن ذلك والدي) (¬5).
قلت: لا يلزم مِن تَعذُّر العموم في الشيء أن [ينفى] (¬6) مدلوله، فنقول: انتفى العموم؛ للإجماع، فبقي أصل الإثبات.
الرابع:
"الاستثناءُ مِن التحريمِ نَفْيٌ للتحريم" أَعَم أنْ يكون إباحة أو غيرها، ولكن المتحقق
¬__________
(¬1) مختصر منتهى السؤل والأمل (2/ 819).
(¬2) صحيح مسلم (رقم: 224).
(¬3) سنن ابن ماجه (رقم: 271). قال الألباني: صحيح. (صحيح ابن ماجه: 271).
(¬4) سبق تخريجه.
(¬5) الإبهاج (2/ 152).
(¬6) في (ص) كأنها: يبقى.
قدرة على الإنشاء.
والقائلون بجواز التخصيص يقبلون دعواه، لكن الإمام في "البرهان" قال: (إذا ذكر لفظًا مقتضاه عموم العلة فورد نقضٌ فقال: "أُخَصِّص لفظي"، نُظِر: فإنْ كان النقض مُبْطِلًا، لم يُقْبَل منه التخصيص. وإنْ كان غير مُبْطِل فمِن الجدليين مَن جعله منقطعًا؛ إذْ لَمْ يَفِ بظاهر لفظه).
قال: (والمختار لا يكون منقطعًا، لكنه خالف الأحسن؛ إذْ كان ينبغي له أن يشير إليه فيقول: هذه [علته] (¬1) فيما لا يُسْتَثْنَى) (¬2).
الثْاني: إذا اعتُرض بالنقض على المستدِل فلا بُدَّ له من الجواب عنه وإلا انقطع. فينبغي أن يذكر جوابه، وكذا فيما سيأتي مِن القوادح.
فأما جواب النقض:
- فإما يَمْنَع (¬3) وجود العلة في محل النقض؛ لأنه قيد مناسب أو مؤثِّر في العلة. كما لو قيل في الحلي: (مال مُعَد لاستعمال مباح؛ فلا زكاة فيه، كثياب البذلة). فإذا نُقِض بالمُعَد لاستعمال مُحَرَّم أو مكروه، فيجاب بإخلاله بقيد الإباحة.
- وإما أنْ يجيب بمنع انتفاء الحكم عن الصورة المنقوض بها إذا لم يكن انتفاؤه مذهب المستدِل؛ لأنه إذا كان مذهبه فقط أو مذهبه ومذهب المعترِض، لم يتمكن مِن ذلك.
- وإمَّا أنْ يذكر مانِعًا في صورة النّقض عند مَن يرى بأنَّ النقض لِمانِع غير قادح.
فلو أراد المعترِض -لَمَّا مَنَع المستدِل وجود العلة في صورة النقض- أنْ يستدل على
¬__________
(¬1) في (س، ت، ض): علة.
(¬2) البرهان في أصول الفقه (2/ 651).
(¬3) يعني: المستدِل يمنع وجود العلة في محل النقض.

الصفحة 80