نسخة (ق):
فظهر بذلك أنَّ رسالة الباحثة الخامسة امتلأت بالأخطاء مِن أَوَّلها إلى آخِرها! !
ملاحظاتي على الرسالة الثامنة
اعتمدت الباحثة في تحقيقها على خَمس نُسخ، هي: (ص، ض، ش، ت، ق).
ولم تتوفر لديها النُّسَخ: (س، ن 1، ن 2، ن 3، ن 4، ن 5).
وتناولت هذه الرسالة (127) بَيْتًا فقط مع شرح البرماوي، وهي الأبيات من رقم (763) إلى (890).
ولقد وَجَدْتُ في هذه الرسالة (في 127 بَيْتًا فقط غَيْر الشرح) أكثر مِن مائة (100) خطأ قُمْتُ بتدوينها!
فماذا إذَا جَمَعْنَا إلى ذلك الأخطاء التي في تحقيق شَرْح هذه الأبيات؟ ! !
وفيما يلي أربعة أمثلة على ذلك:
المثال الأول:
جاء في رسالة الباحثة الثامنة (الشطر الثاني من البيت: 801، ص 212):
(نص صريح كعلة فهي).
وهذه صورة من الرسالة:
والصواب كما في تحقيقي: (نَصٌّ صَرِيحٌ، كَـ "لِعِلَّةٍ نَهَى").
ويوافقه شرح البرماوي، حيث قال: (فأما "الصريح" الذي لا يحتمل غير العِلية فمثل أن يقال: "لِعِلة كذا" أو "لِسَبب" أو "لأَجْل" أو "مِن أَجْل").
ولكن حكاية الاتفاق مردودة بأنَّ الخلاف شهير في كثير من التفاسير في اختصاصهم بذلك أو هو عام لكل الأمة.
نعم، الاختصاص هو قول الأكثر، ويشهد له ما سيأتي من السُّنة والمعنى، ومثل ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مِثل أُحُد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نَصيفَه" (¬1).
والحديث وإن وَرَدَ على سبب فالعبرة بعموم اللفظ، ولا يضر أيضًا كوْن الخطاب بذلك لأصحابه أيضًا؛ لأن المعنى: لا يَسُب غيرُ أصحابي أصحابي، ولا يَسُب بعضُكم بعضًا.
وفي الصحيحين من حديث عمران بن الحصين: "خير القرون قَرني، ثم الذين يلونهم" (¬2) الحديث، وفي رواية لابن مسعود: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (¬3)، وفي الترمذي عن عبد الله بن مغفل مرفوعًا: "الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمَن أحبهم فبحبي أحبهم، وَمن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومَن آذاهم فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله، ومَن آذى الله فيوشك أن يأخذه" (¬4). وغير ذلك مما لا ينحصر.
فإن قيل: هذه الأدلة دلت على فضلهم، فأين التصريح بعدالتهم؟
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (رقم: 3470)، صحيح مسلم (رقم: 2540) واللفظ لمسلم.
(¬2) صحيح البخاري (رقم: 2508)، صحيح مسلم (رقم: 2535) كلاهما بلفظ: (خيركم قرني. . .).
(¬3) صحيح البخاري (رقم: 2509)، صحيح مسلم (رقم: 2533).
(¬4) مسند أحمد (20568)، سنن الترمذي (رقم: 3862)، صحيح ابن حبان (7256). قال الألباني: ضعيف. (ضعيف سنن الترمذي: 3862).
أحدهما: نقل عنه في "الحصول" أنه أراد أن اللفظ يفيد المعنى بذاته من غير وضع واضع؛ لِمَا بينهما من المناسبة الطبيعية. قال الأصفهاني: (وهو الصحيح عنه) (¬1).
ونقل عنه الآمدي أن المناسبة حاملة للواضع على أن يضع.
واحتج عباد بأن المناسبة لو لم تعتبر لكان اختصاص اللفظ بذلك المعنى ترجيحًا من غير مُرجِّح.
وجوابه -على النقل الأول- أنه ترجح بإرادة الواضع. ولو كانت ذاتية، لَمَا اختلفت باختلاف النواحي، ولاهتدى كل أحد لمعرفة كل اللغة، ولكان الوضع للضدين -إذا قُلنا بجواز [الاشتراك] (¬2) بين الضدين كـ "الجون" للأسود والأبيض- مُحَالًا.
وعلى النقل الثاني: يكون المرجِّح ليس الباعث العقلي، وإلا لَمَا اختلف العرب والعجم فيه، لكن إرادة الواضع، أو إلهام الله تعالى إياه إنْ قُلنا: (الواضع البشر)، أو خُطُوره ببالهم.
الثاني: قال السكاكي: هذا المذهب متأول على أن للحروف خواص تناسب معناه من شدة وغيرها كالجهر والهمس والتوسط، كَـ "الفصم"، فإنه بالفاء -التي هي حرف رخو- معناه: كسر الشيء من غير إبانة، و"القصم" الذي هو حرف شديد: كسره بإبانة ونحو ذلك.
لكن القائل باعتبار المناسبة إنْ قَصد أن ذلك علِة مقتضية -لِذَاتها- هذه المعاني، فخرقٌ للإجماع. وإنْ قصد أن الواضع راعَى هذا المعنى في وضعه وإنْ لم يكن هو الباعث له عليه -وهو الظاهر من كلامه- فهو مذهب جَمْعٍ من أرباب عِلم الحرف زعموا أن للحروف طبائع في طبقات من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة، فناسب أن يوضع لكل مسمّى ما يناسبه من
¬__________
(¬1) انظر: الكاشف عن المحصول (1/ 431 - 434).
(¬2) كذا في (ض، ت، ظ)، لكن في (ص، ش): المشترك.
وهل يفسد معه الأول أيضًا حتى لا يسقط من المستثنى منه شيء؟ أَم يختص الثاني بالفساد؛ لأنه نشأ منه؟ فيه احتمالان.
قال الهندي: (والظاهر الثاني).
قال: (فإنْ كان الثاني أنقص مِن الأول، تَعارضَا) (¬1). انتهى
نعم، يَطْرق المعطوفات إذا استغرقت الأصل خِلافٌ مِن أن المفرَّق في المستثنى منه أو في المستثنى هل له حُكم الجمع؟ والجمع فيهما هل له حُكم المفرَّق؟
والصحيح فيهما المنع كما أوضحوه في الفقه في باب الإقرار وغيره.
وأما إذا لم تكن الاستثناءات متعاطفة ولكن بعضها لا يمكن أن يرجع لما يليه؛ لكونه مستغرقًا، نحو: (أنت طالق ثلاثًا إلا ثنتين إلا ثنتين)، أو: (إلا واحدة إلا ثنتين)، فتعاد كلها للأصل أيضًا. فإنْ أدَّى المجموع لاستغراق الأصل، أبْطل ما به الاستغراق كما سبق تقريره في المتعاطفة.
نعم، إذا استغرق استثناءٌ استثناءً بمساواة، احتمل التوكيد كما قاله الرافعي. وقواه بعضهم بأن التوكيد وإنْ كان خِلاف الأصل فالاستثناء أيضًا خلاف الأصل، فلا ينبغي تكثيره.
وقد يجاب بِقِلَّة التوكيد بالنسبة إلى كثرة الاستثناء؛ فقوي جانبه.
واعلم أنَّا إذا فرَّعنا على قول الفراء السابق أن الثاني منقطع فيضم للأصل، ينبغي أن يقال في: (له عليَّ عشرة إلا اثنين إلا اثنين): يلزمه عشرة. وفي: (عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة): يلزمه أحد عشر.
¬__________
(¬1) نهاية الوصول (4/ 1549).
فقال الشيخ: (وما قاله أبو القاسم ينكسر بولد أُم الولد، فإنه ثبت له حق الحرية بثبوته للأم، ثم يسقط حق الأم بالموت ولا يسقط حق الولد) (¬1). انتهى
وتقرير الكسر أن الأنماطي لما كان معنى دليله أن هذه السخال مال زكوي تابع للأُم، فيجب سقوط التبعية بموت الأُم، فَيَرِد الكسر بالإلغاء في وصف الزكوي:
- إما بالإبدال كأولاد تبعت الأُم في حُكمها إلى آخِره، فينتقض بولد أم الولد.
- وإما بلا إبدال فيبقى [بنعت] (¬2) الأمهات في حُكمها، فيسقط بموت الأمهات، فينتقض بولد أم الولد.
هذا تمام تقرير الكسر، وقد وضح أنه نقض وارد على المعنى كما ذكره أستاذ أهل الجدل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وتبعه ابن السمعاني وغيره.
تنبيهات
الأول: تفسير البيضاوي "الكسر" بأنه "عدم تأثير أحد الجزئين ونَقْض الآخَر" كما سبق تمثيل ذلك بصلاة الخوف -راجع إلى تفسيرنا المذكور، خلافًا لمن زعم أنه غيره.
الثاني: فسره ابن الحاجب -تبعًا للآمدي- بأنه: (وجود الحكمة المقصودة مع تَخَلُّف الحكم).
ثم قال: (والمختار أنه لا يبطل، كقول الحنفي في العاصي بِسَفَره: مسافر؛ فيترخص، كغير العاصي؛ للمشقة فيهما. فيُعترَض بالصنعة الشاقة في الحضر) (¬3). كنحو الحمالين، فإنها
¬__________
(¬1) المهذب في الفقه الشافعي (1/ 144).
(¬2) لَعَلَّها: تبعية. وبعض النسخ كأنها: تبعت.
(¬3) مختصر منتهى السؤل والأمل (2/ 1050 - 1051).