كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

المثال الثالث:
جاء في رسالة الباحثة الثامنة (الشطر الثاني من البيت: 812، ص 251):
(وهكذا يكون للمناظرُ).
وهذه صورة من الرسالة:
وهذه صورة مكبرة لموضع الخطأ:
فالكلمة متصلة بحرف الجر (اللام) ومع ذلك نجد الباحثة جعلت الراء مضمومة! !
والصواب كما في تحقيقي:
وَكُلُّ هَذَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ ... وَهَكَذَا يَكُونُ لِلْمُنَاظِرِ
المثال الرابع:
جاء في رسالة الباحثة الثامنة (الشطر الأول من البيت: 807، ص 234):
نَظيرهْ عَلَيْهِ لبعدَا
والصواب كما في تحقيقي:
نَظِيرَهُ عِلِّيَّةً لَبَعُدَا ... وَذَا كَتَفْرِيقٍ بِوَصْفٍ قُيِّدَا
فكلمة "عِلِّيَّة" جعلتها الباحثة: "عَلَيْهِ"! !
وهذه صُوَر من المخطوطات:
نسخة (ص):
لخروجه على الإمام الحق.
وهذا أيضًا باطل؛ لأن مسألة الأخذ بثأر عثمان اجتهادية، رأَى علي - رضي الله عنه - فيها التأخير؛ لمصلحة، ورأت عائشة - رضي الله عنه - المبادرة مصلحة، وكلٌّ مأجور على اجتهاده. فالوقائع كلها جوابها سهل ظاهر، فالصواب التسليم فيما شجر بينهم إلى ربهم جل وعلا، ونبرأ ممن يطعن في أحد منهم، ونعتقد أن المخالف في ذلك مبتدع زائغ عن الحق، نعوذ بالله من ذلك.
ومنها: أن مَن قَلَّت صحبته فكَغْيره، والحكم بالعدالة إنما هو لمن اشتهرت صحبته. قاله [المازري] (¬1).
ومنها: قول مَن قال: عدول، ومَن خرج منهم عن الطريقة لا يسمَّى صحابيًّا.
وغير ذلك من الأقوال الواهية الباطلة.

تنبيهات
أحدها: ليس المراد بكونهم عدولًا ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية عليهم؛ إنما المراد أنه لا يُتكلف البحث عن عدالتهم ولا طلب التزكية فيهم، وقد سبق أن غلبة الخير في العدل كافية.
الثاني: قال الحافظ المزي: من الفوائد أنه لم يوجد قط رواية عمن لُمِزَ بالنفاق من الصحابة.
الثالث: من فوائد القول بعدالتهم مطلقًا: إذا قيل: "عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا"، كان ذلك كتعيينه بِاسْمه؛ لاستواء الكل في العدالة.
وقال أبو زيد الدبوسى: بشرط أن يعمل بروايته السلف، أو يسكتوا عن الرد مع
¬__________
(¬1) في (ظ، ت): الماوردي.
بأن العبارات لا معنى لأعيانها، وهي في الحقيقة أمارات منصوبة على المعاني المطلوبة.

المسألة الثانية (في تعيين الواضع):
وهي مُرتبة على التي قبلها، وهو معنى قولي: (فَلَا تَدُلُّ بِالْمُنَاسَبَاتِ). أي: فلأجل ذلك كانت اللغة لا بُدَّ لها من واضع، وهو الله تعالى، إذ ليست تدل بالمناسبة حتى يُكتفَى بها عن الوضع، ولا أن الباعث لواضعها المناسبة؛ لأن أفعال الله تعالى لا تُعَلل بالغرض.
هذا معنى تعقيبي بالفاء، لا أن مسألة المناسبة مُفَرعة على اشتراط الواضع، فاعْلَمه.
والمسألة فيها مذاهب:
أحدها وعُزي للأشعري، وبه قال أبو بكر بن فورك من كبار أصحابه والجمهور: اللغات توقيفية، لا مدخل للخلق في وضعها، فالله تعالى وضعها، ثم وقَّف العباد عليها إما:
- بوحي إلى أنبيائهم الذين يتلقون الشرائع منهم؛ لقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} إذا لم نَقُل: معناه المسميات، ولا الخواص، ولا نحو ذلك.
- وإما بخلق فَهْم لها من أصوات خلقها فسمعوها.
- أو بخلق عِلم ضروري في صدورهم علموها ووعوها وعيًا كما عبرت به في النَّظم.
وقيل: إن الأشعري إنفي تكلم في الوقوع، لا في الجواز، وإلا لَنقله عنه القاضي أبو بكر وغيره من أصحابه. ولكن ذكر إمام الحرمين الخلاف في الجواز وأن الوقوع لم يثبت.
وممن اختار هذا المذهب أيضًا ابن فارس في "فقه اللغة" (¬1)، قال: (لأن إجماعهم على الاحتجاج بِلُغة القوم لو كان لكونها مواضعة، لم يكونوا أَوْلى منا بالاحتجاج باصطلاحنا
¬__________
(¬1) في (ص، ش): العربية.
وأجاب المانعون عما استدل به الجمهور مِن قوله تعالى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ} [الحجر: 58، 59] الآية - بأن الاستثناء الثاني وهو: {إِلَّا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 60] إنما هو من قوله: {أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59].
قال الروياني: (والمجوزون يقولون: العامل "إلا"). انتهى
وكون العامل "إلا" هو مُرَجَّح ابن مالك في "التسهيل" وفاقًا لسيبويه والمبرد والجرجاني.
خلافًا لمن قال: (ما قبلها مُعَدًّى بها أو مستقلًّا) كما هو مذهب ابن خروف، أو: (بِـ: أستثني مضمرًا) كما هو قول الزجاج، أو: (بِـ "أنَّ" مُقَدَّرة بعدها) كما عزاه السيرافي للكسائي، أو: (بِـ "إنْ" مخففة مُركبًا منها ومِن "لَا": إلَّا) (¬1) كما قاله الفراء.
ومنهم مَن أجاب في الآية -كما أشار إليه صاحب "الذخائر" في كتاب الطلاق- بأنَّ الاستثناء الأول منقطع؛ لأنَّ آل لوط ليسوا مِن المجرمين.
قال: ولم يَحْك الزجاجي سواه.
الثالث:
قولنا في أصل المسألة: (إنَّ محلها إذا أمكن أنَّ كل استثناء مُخْرَجٌ مما قَبْله) يخرج به إذا تَعدَّد وكان المستثنى الثاني عَيْن المستثنى الأول، نحو: (قام القوم إلا الفتى إلا العلاء)، فإنهما واحد خارج من الأصل.
وقولي: (عين المستثنى)؛ ليخرج: (إلا ثلاثة إلا ثلاثة)، فإن ذاك مِثله، لا عَيْنه، وقد سبق الكلام عليه. والله تعالى أعلم.
¬__________
(¬1) يعني: "إلَّا" مُرَكَّبة مِن "إنْ" و"لا".
وأما قول الآمدي: (إنَّ الأكثرين على أنَّ الكسر ليس بقادح) فمردود بنقل الشيخ أبي إسحاق أنَّ الأكثرين على أنه قادح.
وكذا قول الهندي: (إنَّ الكسر نقض يَرِد على بعض أوصاف العلة، وهو مردود عند الجماهير إلا إذا بيَّن الخصم إلغاء القيد) (¬1).
فيقال له: إنما نسميه "كسرًا" إذا بيَّن كما سبق تقريره في كلام ابن الحاجب.
وأما "عدم العكس" فالمراد به: أنْ لا ينتفي الحكم بانتفاء المدَّعَى أنه علة. فهو مقابل للطرد، وهو: أنْ يوجد بوجوده.
فالعلة إنْ كانت مُطَّردة منعكسة فواضح، أو غير مُطَّردة فهو الاعتراض بالنقض، أو غير منعكسة فهو المراد هنا.
وفي القدح به خلاف مُرتَّب على جواز تَعدُّد العلة ومنعه. فإنَّ الحكم إذا وُجِد والعِلة منتفية فقدْ يَكون لِعِلة أخرى. فمَن منع تَعدُّد العِلة جَعَل ذلك قادحًا؛ لانتفاء الحكم عند انتفاء دليله. ومَن أجاز، لا يجعله قادحًا.
وإليه أشرتُ في النَّظم بقولي: (وَقَدْحُ ذَا) البيت. أي: إنَّ المانع مِن تَعدُّد العِلَل لا يريد به اجتماع أوصاف يكون مجموعها عِلة، بل يكون كُلٌّ علة بانفراده، وسبق الخلاف في ذلك مُبيَّنًا.
وربما عُبِر عن الاعتراض بِـ "عدم العكس" بأنه هل يُشترط في العلة الانعكاس كما يشترط الاطِّراد؟ أو لا كما هو عبارة ابن الحاجب؟
فقد تَحرر مِن ذلك أن الذي يُعَد مِن القوادح "عدم العكس". فتسمية صاحب
¬__________
(¬1) نهاية الوصول (8/ 3427).

الصفحة 87