المبحث الخامس عشر: تنبيهات مهمة
التنبيه الأول: الكلمات التي قد تختلف فيها النُّسَخ اتبَعْتُ فيها الطريقة التي تُسَمَّى: "النَّص المُخْتار"، فأختار منها ما يظهر لي أنه الصواب، ثُم قد لا أُنَبِّه على ذلك إذا رأيتُ أنَّ الفروق يسيرة (¬1)، وقد أُنَبِّه بوضع الكلمة المُخْتارة بين معكوفين هكذا [ .. ] ثم أُشِير في الهامش إلى كيفية وُرُودها في النُّسَخ الأخرى.
مِثَالُه: إذا كان المتن هكذا: [الْمُعْتَمَدْ] وكتبتُ في هامشه: في (ن 1، ن 3): المعد.
فإذا اقتصرتُ على ذلك في الهامش، فمعناه أنَّ سائر النُّسَخ (ز، ص، ض، ت، ش، ظ، ق، س، ن 2، ن 4، ن 5): الْمُعْتَمَدْ.
- وإذا اتفقت النُّسَخ (ن 1، ن 2، ن 3، ن 4، ن 5)، فأقول: (ن).
التنبيه الثاني: قد أَضَع الرمز - صلى الله عليه وسلم - مكان عبارة: "عليه الصلاة والسلام".
وكذلك أصلحتُ ما وجدت مِن خطأ في كتابة الآية (وهو قليل) دُون أَنْ أُنَبِّه على ذلك: فَقَدْ تُكتب الآية هكذا: (ولا تَقُلْ لهما أُف). والصواب: {فلا}.
وقد يحذف الإمام البرماوي حَرْفًا من أول ما يستدل به مِن الآيات.
فقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} قد يذكره البرماوي بحذف
¬__________
(¬1) مثل أنْ يأتي في إحدى النُّسَخ: (قوله تعالى)، وفي نُسخة: (قول الله تعالى)، وفي نُسخة: (قوله).
منذ ثلاث" (¬1). ثم لم يُنقَل أنه اجتمع به بعد المبعث.
ودخل أيضًا في الاجتماع مَن جِيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غير مميِّز، فحنكه كعبد الله بن الحارث بن نوفل، أو تفل فيه كمحمود بن الربيع، بل مَجَّه بالماء وهو ابن خمس سنين أو أربع كما سبق بيانه قريبًا، أو مسح وجهه كعبد الله بن ثعلبة بن صُعَير (بضم الصاد وفتح العين المهملتين)، ونحو ذلك. فهؤلاء صحابة وإنِ اختار جماعة خِلاف ذلك كما هو ظاهر كلام ابن معين وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم وأبي داود وابن عبد البر وغيرهم، وكأنهم إنما نفوا الصحبة المؤكدة كما سيأتي.
واعْلَم أن بعض العلماء شرَط في الصحابي زيادة على ما ذكرناه، والمختار خلافُه.
مِن ذلك ما أشرتُ إليه في النَّظم بقولي: (وَإنْ لَمْ يَرْوِ) إلى آخِره، فشرَط بعضهم أن يروى عنه ولو حديثًا، وإلا فلا يكون صحابيًّا.
وشرَط بعضهم أن تطول الصحبة وتكثر المجالسة على طريق التبع له والأخذ عنه. ويُنقل ذلك عن أهل الأصول أو بعضهم، ورَدَّه الخطيب في "الكفاية" بأنه لا خلاف بين أهل اللغة أن ما اشتُق منه الصحابي وهو "الصحبة" لا تُحَد بزمن ولا طولٍ، فتقول: صحبته سَنة، وصحبته لحظة (¬2).
وفيما قاله نظر؛ لأن الكلام في الصحبة الاصطلاحية، وإلا فليس في اللغة اشتراط الإسلام في الصُّحبة.
وشرَط سعيد بن المسيب أن يقيم معه سَنة أو سنتين، أو يغزو معه غزوةً أو غزوتين. وقد
¬__________
(¬1) سنن أبي داود (رقم: 4996)، السنن الكبرى للبيهقي (20624). قال الألباني: ضعيف الإسناد. (ضعيف سنن أبي داود: 4996).
(¬2) انظر: الكفاية (ص 50).
العاشر (حكاه الأستاذ أبو منصور): التوقيف في الابتداء على لغة واحدة، وما سواها من اللغات تفرقوا فيه.
قال: وقد رُوي عن ابن عباس أن أول مَن تكلم بالعربية المحضة إسماعيل عليه السلام. وأراد به عربية قريش التي نزل بها القرآن، وأما عربية قحطان وحمير فكانت قبل إسماعيل عليه السلام.
تنبيهات
أحدها: قال السمناني في "الكفاية": قال المتأخرون من الفقهاء: هذا الخلاف إن كان في الجواز العقلي فهو ثابت بالنسبة إلى جميع المذاهب؛ إذْ لم يَلزم منه محُال، وإنْ كان في الوقوع السمعي فباطل؛ لأن الوقوع إنما يكون بالنقل، ولم يوجد فيه خبر متواتر ولا برهان عقلي.
الثاني: قال الأستاذ أبو منصور في "التحصيل": أجمع أصحابنا على أن أسماء الله تعالى توقيفية، ولا يجوز إطلاق شيء منها بالقياس وإن كان في معنى المنصوص. وجَوَّزه معتزلة البصرة.
قال: (وأما أسماء غيره فالصحيح من مذهب الشافعي جواز القياس فيها، وقال بعض أصحابه مع أكثر أهل الرأي [بامتناع] (¬1) القياس. وأجمعوا أنه لو حدث في العالم شيء بخلاف الحوادث كلها جاز أن يوضع له اسم، واختلفوا في كيفيته، فمنهم مَن قال: [يُسَمَّى] (¬2) باسم الشيء القريب منه في صورته، ويكون ذلك من جملة اللغة التي قِيس عليها. ومنهم من قال: يُسند إليه اسم كيف كان، ويكون ذلك لغة مختصة بالمسمَّى بها).
¬__________
(¬1) في (ق): باجتماع.
(¬2) في (ص): نسميه. وفي (ش): يسمه.
قلتُ: فكيف لم توقع الاستثناء في الآية على الكلام كله وأوقعت في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله؟ ) (¬1). انتهى
قلتُ: قد يقال: إنَّ الشافعي إنما ألزم بذلك الخصم، والمناظِر قد يُلزم الخصم بما لا يعتقده، وأيضًا فإنما ألزمه في تعقيب الكلام بـ "إن شاء الله"، وسيأتي أنه ليس الخلاف بيننا وبين الحنفية إلا في الاستثناء بِـ "إلا" ونحوها مِن أدواته.
وأما "إن شاء الله" فقد سبق أن تسميته استثناءً مَجازٌ، إلا أن يريد الشافعي قياس الاستثناء على "إن شاء الله" الذي هو متفق على عَوْده للكل.
وأما ما حكاه البيهقي فيحتمل أنَّ المراد بالاستثناء فيه "إنْ شاء الله"، وهو وفاق.
ولأجل ذلك قال القاضي أبو الطيب: (وما وجدت مِن كلام الشافعي ما يدل عليه إلا أنه قال في "كتاب الشاهد واليمين": إذا تاب القاذف، قبلت شهادته، وذلك بيِّنٌ في كتاب الله عز وجل. وهذا يدل على أنه رَدَّ الاستثناء إلى الفسق ورَدِّ الشهادة. وقد استدل أبو إسحاق وغيره من أصحابنا على قبول شهادته بعموم الاستثناء). انتهى
قلتُ: ويحتمل أن الشافعي إنما قال ذلك لأنه إذا انتفى الفسق، وجب قبول شهادته؛ للتلازم.
وقد أشار إلى ذلك الشافعي في بعض مناظرات الخصم، فقال في "الأم" -في الباب الذي سبق ذِكره بَعد أن قال له محمد بن الحسن: (إن أبا بكرة قال لرجل استشهده: لا تستشهدني، فإن المسلمين فَسَّقُوني)، أي: وإنْ كنتُ قد تُبْتُ- ما نصه:
(وفيما قال دلالة على أن المسلمين لا يُلزمونه اسم "الفسق" إلا وشهادته غير جائزة، ولا
¬__________
(¬1) الأم (7/ 90).
قال: لا بُد مِن عكس على العموم كما شرطنا الاطِّراد عمومًا.
وقال الأستاذ أبو إسحاق: يُكتفى بالعكس ولو في صورة واحدة.
قلتُ: ولكن الأول هو الأظهر. والله أعلم.
ص:
859 - وَ"عَدَمُ التَّاْثِيرِ": كَوْنُ الْوَصْفِ ... غَيْرَ مُنَاسِبٍ؛ فَلَيْسَ يَكْفِي
860 - لِذَاكَ خُصَّ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى ... وَمَا لَهُ اسْتِنْبَاطُ وَصْفٍ يُعْنَى
861 - عِنْدَ اخْتِلَافٍ، وَلَهُ أَقْسَامُ ... وَمُثُلٌ يُدْرَى بِهَا الْمَرَامُ
الشرح:
أيْ: ومن القوادح في العلة "عدم التأثير"، كأنْ يقول المعترِض: هذا الوصف الذي عُلِّل به غير مناسب للتعليل؛ لكونه طرديًّا، أو لاختلال شرط من شروط العِلة فيه؛ فلا يُكتفَى به في التعليل.
ووجْه تسميته بذلك أن المراد بالتأثير هنا اقتضاؤه ذلك إما بمعنى المُعَرِّف أو المؤثِّر على ما سبق مِن الخلاف. فإذا لم يُفِد أثرًا، فلا تأثير له.
وسبق أنَّ البيضاوي عرَّفه -تبعًا لإمامه- بثبوت الحكم بدون الوصف في ذلك الأصل بخصوصه، بخلاف "عدم العكس"، فإنه في صورة أخرى.
لكن تعريفه بما ذكرناه أَعَم مِن هذا التفسير؛ لأنَّ تفسيرنا أنْ يوجد الوصف ولكنه غير مناسب، سواء وُجِد الحكم أو لم يوجد. مع أنَّ الحكم إذا وُجِد، قد لا يوجد معه الوصف.
وينبني على التعريفين بيان ما يقدح فيه مِن العلل. فَعَلى تفسيرنا لا يكون قادحًا إلا في قياس المعنى دُون الشبه والطرد، وأنْ لا يكون إلا في العلة المستنبَطة المختلَف فيها دُون