الورقة الأولى من (ص)
الورقة 224 وبهامشها خط البرماوي
وإنِ انبنى عليها ما تَقدم) (¬1). أيْ: في عدالة الصحابة.
فيقال له: إذا كان مبنيًّا عليها ذلك، فكيف تكون لفظية؟ !
ومن فوائده أيضًا: لو أرسل حديثًا، فإنَّ مُرْسَل الصحابي حُجة، بخلاف مرسَل غيره على ما سيأتي من الخلاف.
ومنها: أن قول الصحابي هل هو حُجة؟ وسيأتي الخلاف فيه، [فيتوقف] (¬2) على معرفة مَن هو الصحابي؟
ومنها: مَن شَرَط أن الإجماع من الصحابة معتبَر دُون [غيره] (¬3)، وكذلك مَن لا يَعتبِر خِلاف غيرهم معهم، وغير ذلك مما لا ينحصر.
قولي: (مُؤْمِنًا) حال مِن فاعل (اجْتَمَعْ). وقولي: (بِذَا ارْتَفَعْ) أيْ: عظم قَدْرُه وارتفع شأنه بهذا الوصف، والله أعلم.
ص:
296 - وَمُدَّعِي الصُّحْبَةِ وَهْوَ عَدْلُ ... مُعَاصِرٌ نَقْبَلُهُ؛ فَالْكُلُّ
297 - بِالنَّصِّ تَعْدِيلُهُمُ، وَعَمَّمَا ... لَهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ بَاقِي الْعُلَمَا
298 - كَمَا ابْنُ مَوَّاقٍ رَأَى، وَاسْتَنَدَا ... لِخَبَرٍ أُرْسِلَ، ضَعْفُهُ بَدَا
الشرح: هذا هو المقام الثاني، وهو طريق معرفة الصحابي، وله طرق ظاهرة وطريق خفي، فاقتصرتُ على الخفي؛ لأن الظاهر معلوم من باب أَوْلى.
¬__________
(¬1) مختصر المنتهى مع الشرح (1/ 713).
(¬2) كذا في (ز)، لكن في (ص): تتوقف.
(¬3) كذا في (ز، ش). لكن في سائر النُّسخ: غيرهم.
والثاني: للأسماء ومعانيها، وإلا فلا فائدة في الأسماء وحدها.
وعلى الأول وجهان:
أحدهما: عَلَّمه إياها باللغة التي كان [يتكلم] (¬1) بها.
والثاني: بجميع اللغات، وعَلَّمها آدم ولده، فلمَّا تفرقوا تكلم كل قوم منهم بلسان استسهلوه منها وألِفوه، ثم نَسوا غيره بتطاوُل الزمان.
وقيل: أصبحوا وكُل قوم منهم تكلموا بِلُغة نسوا غيرها في ليلة واحدة. و [قيل] (¬2): هذا في [العُرف] (¬3) ممتنع) (¬4). انتهى
وزعم بعض الحنفية أنهم يقولون بالتوقيف، وعزا الاصطلاح لأصحابنا، ثم قال: (وفائدة الخلاف أنه يجوز التعلق باللغة عند الحنفية لإثبات حكم الشرع من غير رجوع إلى الشرع، وبنوا عليه أن حكم الرهن الحبس؛ لأن اللفظ ينبئ عنه. وعند الشافعية أن [التعلق] (¬5) باللغة لأحكام الشرع لا يجوز؛ لأن الواضعين في الأصل كانوا جُهالًا وضعوا عبارات لِمُعَبرات لا لمناسبات، ثم استُعملت وصارت لُغة). انتهى
والله أعلم.
¬__________
(¬1) كذا في (ت)، لكن في سائر النسخ: يَعْلم.
(¬2) كذا في جميع النُّسخ. لكن في تفسير الماوردي (النكت والعيون، 1/ 99): مثل. طبعة: دار الكتب العلمية - بيروت.
(¬3) كذا في (ت) وتفسير الماوردي (1/ 99). لكن في سائر النُّسخ: العرب.
(¬4) النكت والعيون (1/ 99).
(¬5) في (ق): التعليق.
الله وأبو نصر [القشيري] (¬1) والآمدي وابن الساعاتي والهندي والقرطبي.
واغتر القرافي بمن أطلق -كالإمام الرازي وأتباعه- فحكى الخلاف وإنْ لم يكن عطف. وليس كذلك، بل إطلاق مَن أَطلق محمول على أنه سكت عنه؛ لوضوحه.
وممن أَطلق: الماوردي وإمام الحرمين وابن الصباغ والغزالي والمازري وابن قدامة الحنبلي وغيرهم. وعُذرهم ما ذكرناه، فإنَّ أمثلتهم وكلامهم في المسألة يرشد إلى تقييدها بالعطف، وكذا تصويراتهم في الفروع الفقهية.
فمنه قول أصحابنا: لو قال: (يا طالق، أنت طالق [ثلاثًا] (¬2) إن شاء الله)، انصرف إلى الأخير، ويقع بـ "يا طالق" طَلْقة.
نعم، قد يخالف ذلك قولهم فيمن قال: (أنت طالق، أنت طالق، إن شاء الله) قاصدًا للتأكيد: يعود للجميع. ولم يَحْكِ الرافعي فيه خلافًا، ولكن المقصود في التأكيد الأول، والثاني عَيْنه، فلا تَعَدُّد. ولو قال: (أنت طالق واحدة ثلاثًا إن شاء الله) لا يقع شيء أيضًا.
وجوابه أنه كأنه أكد [الأُولى] (¬3) بزيادة [اثنين] (¬4)، ثم عقَّب بالاستثناء، فعاد للمجموع؛ لعدم تَغايُر الأول مع الثاني.
وفي "كتاب الأيمان": لو قال: (إن شاء الله أنت طالق وعبدي حر)، لا تطلق ولا يُعتَق.
قال الرافعي: (وليكن هذا فيما إذا نوى صرف الاستثناء إليهما. فإنْ أَطْلَق، فيجيء فيه
¬__________
(¬1) في (ص، ق، ش): التستري.
(¬2) في (ت، ض، س): إلا.
(¬3) في (ص، ق): الأول.
(¬4) في (ص): اثنتين.
وهو على ثلاثة أقسام:
أحدها: أنْ لا فائدة لِذِكره أصلًا، كقولهم في المرتدين: مشركون أتلفوا مالًا في دار الحرب، فلا ضمان عليهم، كالحربي. فقَيْد "دار الحرب" طَرْدي لا فائدة في ذِكره؛ فإنَّ مَن أَوْجَب الضمان أوجَبه مطلقًا، ومَن نفاه نفاه مطلقًا. فيرجع إلى ما رجع إليه القِسم الأول، وهو المطالبة بتأثير كَوْنه في دار الحرب.
ثانيها: لا تأثير لذلك القيد، ولكن له فائدة في القياس، كما يقال في اشتراط العَدد في الحجر المُسْتَنْجَى به: عبادة متعلقة بالأحجار لم يتقدمها معصية؛ فاعتُبِر فيها العَدد، كرمي الجِمار. فقَيْد: "لم يتقدمها معصية" لا تأثير له، لكن لِذكره فائدة؛ إذْ لو حذفه لانتقضت عِلته بالرجم. وهذا أيضًا راجع للأول كالذي قبله.
ثالثها: له فائدة لكن المعَلِّل لا يضطر إليه في ذلك القياس؛ ولهذا يُسمى "الحشو". كما لو قيل في أن الجمعة تصح بغير إذن الإمام: (صلاة مفروضة؛ فلم تفتقر إقامتها إلى إذنه، كالظهر). فذِكر الفَرْض لا فائدة فيه؛ لأنَّ النفل كذلك. وإنما ذكر لتقريب الفرع مِن الأصل وتقوية الشَّبه بينهما؛ إذ الفرض بالفرض أَشْبَه مِن غيره.
الرابع: ما له تأثير لكن لا يطرد في ذلك الفرع ونحوه مِن محال النزاع. كقولنا في ولاية المرأة: زوَّجَت نفسها مِن غير كُفء؛ فلا يصح، كما لو زُوِّجَت مِن غير كُفء.
فالتزويج مِن غير كفء -وإنْ ناسب البطلان- إلا أنه لا اطراد له في صورة النزاع التي هي تزويجها نفسها مطلقًا؛ فبَانَ أنَّ الوصف لا أثر له في الفرع المتنازَع فيه.
وحاصل هذا أنه كالثاني مِن حيث إنَّ حُكم الفرع هنا مضاف إلى غير الوصف المذكور. كذا قاله ابن الحاجب في "مختصره" الصغير، وتبعه في "جمع الجوامع"، لكنه قال في الكبير: إنه كالثالث. وقيل: إنه الصواب.