الورقة الأولى من (ش)
الصفحة قبل الأخيرة من (ش)
قيل: والمنع مطلقًا قوي؛ لأن الشخص إذا قال: (أنا عدل)، لا تُقبل دعواه، فكيف مُدَّعي الصحبة التي هي فوق العدالة؟
قلتُ: الفَرق ظاهر؛ لأن ذلك يثبتُ أصل العدالة من غير دليل، وهذا عدل مقبول القول يُنشئُ رُتبة، فيُقبل منه؛ لوجود عدالته.
ولم يقف ابن الحاجب على نقل في المسألة، فقال: (لو قال المعاصر العدل: "أنا صحابي"، احتمل الخلاف) (¬1).
فرع:
إذا أخبر عنه عدل من التابعين أو تابعيهم أنه صحابي، قال بعض شراح "اللمع": لا أعرف فيه نقلًا. قال: والذي يقتضيه القياس أنْ لا يُقبل؛ لأن ذلك مُرْسَل؛ لكونها قضية لم يحضرها.
قيل: والظاهر خلاف ذلك؛ لأنه لا يقول مثل ذلك إلا عن عِلم اضطراري أو اكتسابي.
وقد قال ابن السمعاني: إن الصحبة تُعْلَم بالطريق القطعي كالتواتر أو ظني وهو خبر الثقة.
قلتُ: مراده بِـ "خبر الثقة" حيث لم يتضمن كَوْنه مرسلًا، والاستناد إلى أنه لم يَقُل ذلك إلا عن عِلم- ضعيفٌ، وإلا لزم الاحتجاج بالمرسل مطلقًا، والتفريع على أنه ليس بحجة ما لم يعتضد كما سيأتي.
تنبيه:
إذا قال العَدْلُ: (أنا تابعي؛ لأني أدركتُ الصحابي رؤيةً أو اجتماعًا)، الظاهر أنه مِثله،
¬__________
(¬1) مختصر المنتهى مع الشرح (1/ 715).
[موضعها] (¬1).
وحكى القاضي من الحنابلة عن الشيباني: أن اللغة لا تثبت بالآحاد، وكأنه قول الواقفية في صِيَغ العموم، والحقُّ: أنه حُجة في العمليات دون العقائد.
والدليل على وجوب التمسك بالآحاد في اللغة هو الدليل على وجوب التمسك به في الشرعيات، لأنها وسيلة إليها.
وللإمام الرازي في "المحصول" طريقة في الرد على [المخالِف] (¬2)، وهي أن اللغة إنْ كانت مما عُلم بالاحاد -[أيْ مِن] (¬3) الضروريات وهو أكثر اللغة- فلا يسمع التشكيك؛ لأنه تشكيك في الضروريات، أو من غير الضروريات فيكتفَى فيه بالظن كما في الشرعيات.
نعم، قال ابن السيد: إنما يسمى لغةً ما كان في الكلام، أما ما ينفرد به الشعر فإنما يسمى ضرورة، لكن ذكره في الاستعمالات النحوية، لا الألفاظ المفردة.
وأما المركَّب -وهو استنباط العقل من النقل- فله ثلاث طرق:
إحداها: استقراء كلام العرب في أمر، فيفيد إما القطع وإما الظن على ما سيأتي في الكلام على الاستقراء من الأدلة المختلَف فيها.
ومن هذا أبنية اسم الفاعل والمفعول وغيرها من أحكام التصريف والنحو والبيان على ما فُصل كل واحد في فنه.
الثانية: أنه إذا ثبت مقدمة بحكم من أحكام الكلم العربي ومقدمة أخرى لذلك وكانتا
¬__________
(¬1) في (ق، ظ، ت، ض): موضوعها.
(¬2) في (ت، ق): المخالفة.
(¬3) من (ص، ش).
فنصيبه لمن في درجته، فإذا انقرضوا، صُرف إلى إخوتي فلان وفلان الفقراء، إلا أن يفسقوا"). انتهى
وجرى على ذلك الآمدي وابن الحاجب وابن الساعاتي.
لكن الصواب أن ما كان مِثل "الواو" في اقتضاء المشاركة كَـ "الواو".
وعبارة ابن القشيري: أما إذا اشتمل الكلام على جُمل متقطعة تُنبئ كل واحدة عما لا تُنبئ عنه أخواتها ولكنها جُمعت بحرف مِن حروف العطف جامع في مقتضَى الوضع ثم تُعُقِّب باستثناء، فهذا محل الخلاف.
ونحوه عبارة الشيخ أبي إسحاق، وإلى ذلك المعنى أشار الإمام فيما سبق نقل الرافعي عنه بقوله: (الواو الجامعة).
فإنْ كان قول الرافعي عقبه: (فإنْ كان بِـ "ثُم"، اختص بالأخيرة) مِن كلام الرافعي أَخَذَه مِن مفهوم تقييده بالواو لا مِن كلام الإمام، فلا يناسب تعبيره بِـ "الجامعة"؛ لأنه قد أفادنا أن كل عاطف جامع كَـ "الواو". ولهذا صرح في النهاية بعدم التقييد بالواو، فقال: إنَّ الظاهر أنَّ "ثم" و"حتى" و"الفاء" مثل الواو في ذلك.
وإنْ كان مِن بقية كلام الإمام، فيخالف ما في "النهاية"، ويقال: ما الفرق بين الواو الجامعة وغيرها مما هو جامع؟
وإذا لم يصح تقييد الإمام بالواو، صح ما قاله الأصفهاني في "شرح المحصول" أنه لم ير التقييد لأحد بالواو قبل الآمدي، فلا يتعجب مِن ذلك كما تعجب منه بعض المتأخرين.
وممن صرح بعدم التقييد بالواو القاضي في "التقريب"، فقال: إذا عطفت بأي حرف كان مِن "فاء" و "واو" وغيرهما.
أي: مما هو في معناهما.
والرابع: أنه يجوز بشرط البناء. أي: بناء ما خرج عن محل الفرض [على] (¬1) محل الفرض.
ثُم اختُلف في طريق البناء، فقيل: يكفي أن يقول: ثبت الحكم في بعض الصوَر؛ فيَلزم القول بثبوته في الباقي؛ ضرورة أنْ لا قائل بالفَرْق.
وقيل: لا يكفيه ذلك، بل يحتاج إلى رد ما خرج عن محل الفرض إلى محل الفرض بجامع صحيح كما هو قاعدة القياس.
وقيل: إنْ كان الفرض في صورة السؤال فلا يحتاج إلى البناء. وإنْ عدل [في] (¬2) الفرض إلى غير محل السؤال فلا بُدَّ حينئذٍ من بناء السؤال على محل الفرض بطريق القياس. والله أعلم.
ص:
862 - وَ"الْقَلْبُ": دَعْوَى مَا بِهِ اسْتُدِلَّا ... عَلَيْهِ أَوْ لنَا مَعًا قَدْ دَلَّا
863 - إمَّا بِتَصْحِيحِ مَقُولِ الْمُعْتَرِضْ ... أَوْ لَا، بَلِ الْإبْطَالُ فِيهِ يَعْتَرِضْ
864 - وَمنْهُ مَا "قَلْبَ الْمُسَاوِي" يُسْمَى ... يُنْفَى بِهِ مَعَ اسْتِوَاءٍ حُكْمَا
الشرح:
أي: مِن القوادح أيضًا "القَلْب"، وهو:
- إمَّا الخاص بباب القياس، وهو الذي تعرَّض له البيضاوي وغيره هنا؛ لأنَّ كلامهم
¬__________
(¬1) كذا في (س)، لكن في سائر النُّسخ: إلى.
(¬2) في (ص، ق): عن.