كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية

الصفحة الثانية من (ض)
الصفحة الأخيرة من (ض)
وأما بماذا يثبت كون التابعي؟ كذلك فسيأتي في الكلام على المرسَل.
وقولي: (فَالْكُلُّ بِالنَّصِّ تَعْدِيلُهُمُ) هذا وإنْ عُلِم من قولي فيما سبق: (طَرِيقُ الْعِلْمِ بِالْعَدَالَهْ سَمْعٌ) إلا أني أَعَدْتُه؛ للإيماء إلى أن مَن قال: إنَّ حَمَلَة العِلم مِثل الصحابة في ثبوت عدالتهم مِن غير طَلَب تزكيتهم؛ للنص فيهم كالصحابة. وهو ابن عبد البر، قال: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدًا على العدالة حتى يتبين جرْحُه.
واستدل لذلك بحديث رواه من طريق أبي جعفر العقيلي من رواية مُعان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يحمل هذا العِلم مِن كل خلف عُدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" (¬1). أورده
¬__________
(¬1) الضعفاء الكبير (4/ 256). قال الحافظ ابن حجر في كتابه "لسان الميزان، 1/ 77": (قال مهنا: قلت لأحمد: حديث معان بن رفاعة كأنه كلام موضوع. قال: لا، بل هو صحيح). انتهى
وذكره الخطيب البغدادي في كتابه "شرف أصحاب الحديث، ص 30" عن مُهَنَّى بن يَحْيىَ، قَالَ: (سَأَلْتُ أَحْمَدَ -يَعْنِي ابْنَ حَنْبَلٍ- عَنْ حَدِيثِ معَانِ بن رِفَاعَة .. قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الجْاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الُمبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْغَالِينَ".
فَقُلْتُ لِأَحْمَدَ: كَأَنَّهُ كَلامٌ مَوْضُوعٌ. قَالَ: لا، هُوَ صَحِيحٌ. فَقُلْتُ لَه: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ). انتهى، تحقيق: د. محمد سعيد خطي، نشر: دار إحياء السنة- أنقرة.
وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لكتاب (مشكاة المصابيح، ص 83): (الحديث قد رُوي موصولًا من طريق جماعة من الصحابة، وصحح بعض طُرُقه الحافظ العلائي في "بغية الملتمس". .، وقد جمعتُ طائفة من طُرق الحديث، والنية متوجهة لتحقيق القول فيها لأول فرصة تسمح لنا إن شاء الله تعالى).
قلتُ: وكنتُ قد تَوَهَّمتُ -منذ سنوات- أن الشيخ الألباني صححه، ولكن الصواب ما نقلتُه عنه هنا، وأنَّ الألباني إنما نقل تصحيح الإمام أحمد والحافظ العلائي.
وقد ذكر الحافظ العلائي هذا الحديث بإسنادٍ آخَر في كتابه "بغية الملتمس، ص 34"، ثم قال: =
بحيث يتركب منهما قياس [مستوف لشرائط] (¬1) الإنتاج على القانون المبرهن في المنطق، أنتج نتيجة وهي باجتماع الأمرين: النقل في كل من المقدمتين، والعقل في تركيب إحداهما مع الأخرى على الوجه المنتج.
كما نقل أن الجمع المعرَّف باللام يدخله الاستثناء وأنَّ كل ما يدخله الاستثناء مما يحتمل العموم وغيره يكون عامًّا؛ لكون الاستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله؛ فينتج أن الجمع المعرف بِـ "أل" للعموم.
ثم إنْ كانت المقدمتان قطعيتين فالنتيجة قطعية، أو ظنيتين أو إحداهما ظنية فالنتيجة ظنية على ما قررناه في الكلام على الدليل.
واعترض في "المحصول" بأن الاستدلال بالمقدمتين النقليتين على النتيجة لا يصح إلا إذا ثبت أن المناقضة [ممنوعة] (¬2) على الواضع، وهذا إنما يثبت إذا قُلنا: [الواضع غير] (¬3) الله تعالى. وقد قلنا: إن ذلك غير معلوم (¬4).
الثالثة: القياس على معنى القياس الشرعي ونَظْمه الذي سبق أن أهل المنطق يسمونه "التمثيل"، وهو أنْ ينقل عن العرب تسمية شيء بلفظ يلحظ في تسميتهم له ذلك معنى، فإذا وجد ذلك المعنى في شيء آخر، سُمي بذلك الاسم.
¬__________
(¬1) كذا في (ص، ت). لكن في (ق، ظ): مسبوق بشرائط. وفي (ض، ش): مسبوق لشرائط.
(¬2) كذا في (ت)، وهو الصواب، لكن في سائر النُّسخ: مسموعة.
(¬3) كذا في جميع النُّسخ، وعبارة الرازي في المحصول (1/ 215): (فالاعتراض عليه أن الاستدلال بالمقدمتين النقليتين على النتيجة لا يصح إلا إذا ثبت أن المناقضة غير جائزة على الواضع، وهذا إنما يثبت إذا ثبت أن الواضع هو الله تعالى، وقد بينَّا أن ذلك غير معلوم).
(¬4) هنا آخِر اعتراض الرازي.
واعلم أني قيدتُ في النَّظم: (بِالْوَاوِ) جريًا على ما قاله إمام الحرمين وَمن تبعه؛ لظهور حُكم [المسألة] (¬1) فيها، أو لأن ما في معناها كالفرع عنها، فاقتصرتُ عليها، لا لقصد التقييد بها.
أما ما لم يكن في معنى الواو في الجمع (كَـ "لكن" و"بل" و"أو" و"لا" و"إما") فلا يتأتى فيها ذلك فيما ذكره بعضهم.
وقال القرافي: (لا يتأتى ذلك في "أو"، و"أَم"، و"إما"؛ لأنها لأحد الشيئين لا بِعَيْنه. وأما "بل" و"لا" و"لكن" فيحتمل أنها كالواو، فإنَّ في كل مِن المعطوف بها حُكمًا وإنِ اختلف بالنفي والإثبات، ويحتمل المنع؛ لاختلاف الحكم وهي لأحد الشيئين بعينه، بخلاف "أو" و"أَم" و"إمَّا") (¬2).
وسبق أن عبارة القاضي فيها إطلاق أي حرف كان من حروف العطف، ولكن ينبغي أن يُحمل على ما في معنى الواو.
نعم، يشكل على هذا التفصيل أن الماوردي وغيره مَثَّلوا المسألة بآية المحاربة مع أن العطف فيها بِـ "أو".
وحكى الرافعي الخلاف في "بل" قبيل الطلاق بالحساب، فقال: (لو قال: "أنت طالق واحدةً بل ثلاثًا إنْ دخلتِ الدار" فوجهان، أصحهما -وبه قال ابن الحداد- تقع واحدة بقوله: "أنت طالق" وثنتان بدخول الدار، ردَّا للشرط إلى ما يليه خاصة. والثاني: يرجع الشرط إليهما جميعًا إلا أن يقول: أردتُّ تخصيص الشرط بقولي: "بل ثلاثًا") (¬3).
¬__________
(¬1) في (ص، ق، ش): العلة.
(¬2) شرح تنقيح الفصول (ص 253).
(¬3) العزيز شرح الوجيز (9/ 16).
في القياس، فعرَّفوه بِـ "أنْ يربط المعترض خِلاف قول المستدل على عِلَّته التي ذكرها إلحاقًا بالأصل الذي جعله مَقِيسًا عليه".
- وإمَّا الأَعَم مما يُعترض به على القياس وعلى غيره مِن الأدلة، وهو ما ذكرته في النَّظم: أنْ يدَّعي المعترِض أنَّ ما استدل به في المسألة على ذلك الوجه دليلٌ عليه لا في غير تلك المسألة ولا مِن غير ذلك الوجه.
وذلك مفهوم من قولي: (مَا بِهِ اسْتُدِلَّا)، فيخرج عنه ما لو كان ذلك في مسألة أخرى أو في المسألة لكنِ من غير ذلك الوجه، كأنْ يكون للمستدل مِن طريق الحقيقة فيستدل به المعترِض مِن طريق المجاز.
وهو ضربان؛ لأنَّ ما يأتي به المعترِض إما أن يكون دليلًا على المستدِل، لا لَهُ، وإما أنْ يدل لكل منهما، لا للمستدِل وحده.
وهو معنى قولي: (عَلَيْهِ أَوْ لَنَا مَعًا). أي: أو يقول المعترِض: هذا دليل لي ولك، فهو لنا معًا.
قال الآمدي: والأول قَلَّ ما يتفق له مثال في الأقيسة.
ومثاله من النصوص: استدلال الحنفي في توريث الخال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الخال وارث مَن لا وارث له" (¬1). فيقول المعترِض: هذا يدل عليك، لا لك؛ إذ معناه نَفْي توريث الخال بطريق المبالغة، أي: الخال لا يرث. كما يقال: الجوع زاد مَن لا زاد له، والصبر حيلة مَن لا حيلة له. أي: ليس الجوع زادًا ولا الصبر حيلةً.
ثم ينقسم "القلب" مِن وَجْه آخَر إلى ثلاثة أقسام:
¬__________
(¬1) سنن أبي داود (رقم: 2899)، سنن الترمذي (رقم: 2103) وغيرهما. قال الألباني: صحيح. (صحيح الترمذي: 2103).

الصفحة 97