كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

وجُملة القولِ: إِنَّ الراجحَ في تتبعِ الرخصِ هو التحريمُ، وكذلك الأخذ بالرخصةِ المذهبيةِ لغيرِ مسوّغٍ لا يجوز، أمَّا الأخذُ بالرخصةِ؛ لمسوِّغٍ، فإِنَّه جائزٌ، وقد ذَكَرَ هذا التفصيلَ تقيُّ الدين السبكي (¬١).
ولمزيدِ البيان أقولُ: إِنَّ العاميَّ ليس له تتبع الرخصِ، بل الواجبُ عليه سؤالُ أهلِ العلمِ، وليس مِنْ قدرتِه إِدراكُ رخصِ المذاهب؛ لأنَّ معرفتَها إِنَّما تكون لمن لديه نوعُ استدلالٍ ونظرٍ، وفهمٍ لمسائل الفَقهِ (¬٢)، لكنْ لو وَقَعَ في الرخصِ من غيرِ قصدٍ - كما لو سألَ عالمًا فأفتاه برخصةٍ، وسألَ عن مسألةٍ أخرى فأفتاه برخصةٍ - فلا حَرَجَ عليه؛ لانتفاءِ قصدِ تتبعِ الرخصِ، ولصعوبةِ تحرزِ العامي عن مثلِ هذا.
أمَّا المجتهدُ، فالأصلُ أنَّه يتبعُ الأدلة، فليسَ له تتبع الرخصِ، ولا الأخذ بالرخصةِ دونَ مسوَّغٍ، لكنْ إِن احتاجَ إِلى الأخذِ بها، أو احتاجَ مَنْ استفتاه إِليها، فله العملُ والإِفتاءُ بها في ضوءِ الضوابطِ الَّتي قررها مجمعُ الفقه الإِسلامي.
أمَّا المتمذهبُ، فليسَ له تتبعُ الرخصِ، ولا الأخذ بالرخصةِ دونَ مسوِّغٍ، لكنْ له الأخذُ بها إِن احتاجَ إِليها في ضوءِ الضوابطِ الَّتي قررها مجمعُ الفقهِ الإِسلامي.
وقد رجّحت ما سَبَقَ، للآتي:
أولًا: قيامُ الإِجماعِ على مَنعِ تتبعِ الرخصِ، ومهما قيلَ في الجوابِ عنه، إِلَّا أنَّه يبقى معوَّلًا عليه في المنعِ من تتبعِ الرخصِ.
ثانيًا: مآلُ مَنْ يتتبعُ الرخص إِلى انحلالِ التكاليفِ الشرعيةِ عنه، إِذ ما مِنْ مسألةٍ إِلَّا وفيها مَنْ قال بالرخصةِ، فإِنْ أَخَذَ المتتبعُ بها، وبغيرِها انحلتْ عنه أغلبُ التكاليفِ.
---------------
(¬١) انظر: فتاوى تقي الدين السبكي (١/ ١٤٧)، وقضاء الأرب له (ص / ٢٦٨)، وفتح العلي المالك لعليش (١/ ٦٠).
(¬٢) انظر: مناهج الاجتهاد في الإِسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ ٤٥٠ - ٤٥١).

الصفحة 1020