كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

بل الخلافُ يشملُ ما لو اختلفَ المجتهدون على ثلاثةِ أقوالٍ أو أربعةٍ، فهل لمجتهدِ العصرِ اللاحقِ أنْ يحدثَ قولًا رابعًا، أو خامسًا؟ فالتعبير بالقولينِ مِنْ بابِ التمثيلِ (¬١).
الأمر الثاني: أنَّ المسألةَ مقيّدةٌ باستقرارِ الخلافِ على قولين أو أكثر، أمّا إذا كان الخلافُ على القولين غيرَ مستقرٍّ، فالقياسُ جوازُ إحداثِ قولٍ ثالثٍ (¬٢).
يقولُ الشوكانيُّ: "ثمَّ لا بُدَّ مِنْ تقييدِ هذه المسألةِ بأنْ يكونَ الخلافُ فيها على قولين أو أكثر قد استقر، أمَّا إذا لم يستقرْ فلا وجهَ للمنعِ مِنْ إحداثِ قولٍ آخر" (¬٣).
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ العلماءُ في مسألةِ: (حكمِ إحداثِ أهلِ العصرِ اللاحق قولًا ثالثًا) على أقوال، أشهرها:
القول الأول: لا يجوزُ إحداث قولٍ ثالثٍ في المسألةِ مطلقًا.
وهذا مذهبُ أكثرِ الحنفيةِ (¬٤)، ومذهبُ المالكيةِ (¬٥)، والشافعيةِ (¬٦)، والحنابلةِ (¬٧).
ونَسَبَه إمامُ الحرمين الجويني إلى معظمِ المحققين (¬٨). ونَسَبَه أبو حامد الغزالي إلى الجماهيرِ (¬٩). ونَسَبَه أبو الخطابِ (¬١٠)، وابنُ بَرْهان (¬١١) إلى أكثرِ
---------------
(¬١) انظر: البحر المحيط (٤/ ٥٤٣).
(¬٢) انظر: المصدر السابق (٤/ ٥٤٤). وحين عرضت بعض المصادر الأصولية مسألة: (إحداث قولٍ ثالث) أشارت إلى اعتبار قيد استقرار الخلاف شرطًا للخلاف في المسألة. انظر مثلًا: إحكام الفصول (ص / ٤٩٩)، والتبصرة (ص/ ٣٨٧)، وشرح اللمع (٢/ ٧٣٨)، وقواطع الأدلة (٣/ ٢٦٥)، والواضح في أصول الفقه (٥/ ١٦٥).
(¬٣) إرشاد الفحول (١/ ٤١٠).
(¬٤) انظر: أصول السرخسي (١/ ٣١٠).
(¬٥) انظر: إحكام الفصول (ص/ ٤٩٧).
(¬٦) انظر: شرح اللمع (٢/ ٧٣٨)، وقواطع الأدلة (٣/ ٢٦٤)، والبحر المحيط (٤/ ٥٤٠).
(¬٧) انظر: العدة (٤/ ١١١٣)، وأصول الفقه لابن مفلح (٢/ ٤٣٧).
(¬٨) انظر: البرهان (١/ ٤٢٥).
(¬٩) انظر: المستصفى (١/ ٣٦٦).
(¬١٠) انظر: التمهيد في أصول الفقه (٣/ ٣١١).
(¬١١) انظر: الوصول إلى الأصول (٢/ ١٠٨).

الصفحة 1056