كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

دعوى جريئةٌ؛ فجميعُ مَنْ تكلموا في هذا مِنْ أهلِ العلمِ المقلِّدين، وليس مِنْ بينهم أحد مِنْ أهلِ الإجماعِ، على أنَّ مَنْ تكلموا فيها قد اختلفوا اختلافًا بيّنًا" (¬١).
ويمكن أنْ يضاف وجه آخر في المناقشة: لا يرادُ مِن إطلاقِ الإجماعِ الموجودِ في عباراتِ بعضِ العلماءِ من أصحابِ القولِ الأولِ إجماعُ العلماءِ على القولِ بمنعِ التلفيقِ، بل الظاهرُ إرادتهمَ إجماعَ الإمامين على القولِ ببطلانِ ما صَدَرَ عن الملفّقِ - وبناءً عليه لا فرق بين هذا الدليل والدليل الثاني الآتي بعد قليل - يُؤكّدُ هذا الأمر:
أولًا: لم تردْ عبارةٌ صريحةٌ - فيما رجعتُ إليه مِنْ مصادر - في ادِّعاء إجماعِ العلماءِ على القولِ بمنعِ التلفيقِ.
ثانيًا: وَرَدَ استعمالُ الإجماعِ مرادًا به إجماع الإمامين فحسب، كما قالَ الشيخُ محمد الباني: " ... وإذا كان يقرّه بعدَ الوقوعِ يكون الطلاقُ ثلاثًا صحيحًا بإجماعِ الإمامين ... " (¬٢).
ثالثًا: يبعدُ كل البُعْد أنْ يحكي مَنْ عَرَفَ المسألةَ الإجماعَ فيها على قولٍ معيَّنٍ، فالخلافُ فيها مشهور عند المذاهبِ.
الدليل الثاني: إذا جَمَعَ المكلَّفُ بين قولي مجتهدين في مسألةٍ واحدةٍ، كالطهارةِ مثلًا - وقد تقدم التمثيل بها - فإنَّ كلا المجتهدينِ اللذينِ قلَّدهما المكلَّفُ لو سُئِلَ أحدُهما عن صلاةِ الملفِّقِ التي أدَّها؟ فسيقولُ ببطلانِها (¬٣).
---------------
(¬١) التلفيق بين أحكام المذاهب، مجلة البحوث الإسلامية بالأزهر (١/ ٨٣)، وانظر منه: (١/ ٨٦).
(¬٢) المصدر السابق (ص/ ١١٢).
(¬٣) انظر: نفائس الأصول (٩/ ٤١٤٨)، والإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي (ص/ ٢٣٤ - ٢٣٣)، وفتيا لمرعي الحنبلي (ص / ١٥٩) مطبوعة مع التحقيق في بطلان التلفيق، والقول السديد لمحمد فروخ (ص/ ١٣٢)، والأخذ بالرخص الشرعية وحكمه للدكتور وهبة الزحيلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (١/ ٦٨).

الصفحة 1077