كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

مناقشة الدليل الثاني: نوقش الدليل الثاني من وجهين:
الوجه الأول: إنَّما يقولُ المجتهدُ ببطلانِ صلاةِ الملفِّقِ، إذا أخَذَ الملفِّقُ بالأمرِ الذي حَكَمَ المجتهدُ ببطلانِه، أمَّا إنْ قلَّد الملفِّقُ غيرَ هذا المجتهدِ، فلا يحكمُ ببطلانِ صلاتِه حينئذٍ؛ لأنَّه أَخَذَ بقولِ مجتهدٍ آخر.
وكذلك المجتهد الآخر يقولُ كقولِ المجتهدِ الأولِ، وبناءً عليه تبطلُ دعواكم إن كلا المجتهدين يقولُ ببطلانِ صلاةِ الملفّقِ (¬١).
الجواب عن الوجه الأول: لا نُسلّم لكم أن المجتهدَ يقيّدُ القولَ ببطلانِ الصلاةِ بارتكابِ الملفِّق ما يفسدها، بلْ يطلقُ القولَ ببطلانِها (¬٢).
الرد على الجواب: إنَّ قولَ المجتهدِ ببطلانِ الصلاةِ لا يتوجه إلى المجتهدِ الذي خالفه فيما ذَهَبَ إليه، وكذلك لا يتوجه قولُه إلى مَنْ قلَّدَ هذا المجتهد؛ إذ الملفِّق قد صَنَعَ مثل ما صَنَعَ المجتهد الآخر (¬٣).
الوجه الثاني: القولُ ببطلانِ الصورةِ الملفَّقة عند المجتهدين اللذين قلَّدهما المكلَّفُ، غيرُ مسلَّم؛ فإنَّ الإمامَ مالكًا مثلًا لم يقلْ: إن مَنْ قلَّدَ الشافعيَّ في عدمِ الصداقِ، فنكاحُه باطلٌ؛ وإلا لَزِمَ منه أنْ تكونَ أنكحةُ الشافعيةِ عنده باطلةً، ولم يقل الإمامُ الشافعي: إن مَنْ قلَّد مالكًا في عدمِ الإشهادِ في النكاحِ، فنكاحُه باطلٌ؛ وإلا لَزِمَ منه أنْ تكونَ أنكحةُ المالكيةِ عنده باطلةً (¬٤).
الجواب عن الوجه الثاني: إنَّ القولَ بأنَّ الإمامَ مالكًا والإمام الشافعي لا يبطلانِ نكاحَ مَنْ قلَّدَ أحدَهما واردٌ في حقِّ مَنْ قلَّدَ أحدهما وراعى مذهبَه في جميعِ ما تتوقفُ عليه صحةُ العملِ، أمَّا في التلفيقِ في
---------------
(¬١) انظر: القول السديد لمحمد فروخ (ص/ ١٣٩).
(¬٢) انظر: المصدر السابق (ص/ ١٤٠).
(¬٣) انظر: المصدر السابق.
(¬٤) انظر: التقرير والتحبير (٣/ ٣٥٢)، وتيسير التحرير (٤/ ٢٥٤ - ٢٥٥)، والاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ ٥٥٥).

الصفحة 1078