كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

التقليدِ، فإنَّ المقلِّدَ قد قلّدهما في شيءٍ، وخالف كلًّا منهما في شيءٍ آخر (¬١).
الرد على الجواب: في صورةِ التلفيق لا يجدُ المجتهدُ جميعَ ما شُرِطَ في صحةِ فعلِ المكلَّفِ، بلْ يجدُ بعضَها دونَ بعضٍ، وهذا الفارق بين الحالتين لا يُوجبُ القولَ بأنَّ المجتهدَ يقولُ ببطلانِ ما صَدَرَ عن المكلَّفِ؛ إذ المخالفةُ في بعضِ الشروطِ أهونُ مِن المخالفةِ في جميعِها، فيلزم الحكم بالصحةِ في الأهونِ؛ بطريقِ الأَوْلى (¬٢).
الاعتراض على الرد: لا نُسَلّمُ أنْ المخالفةَ في بعضِ الشروطِ أهونُ مِن المخالفةِ في جميعِها (¬٣).
الجواب عن الاعتراض: إنه يتمُّ لكم الاعتراض إنْ كانَ معكم أيّها المانعون مِن التلفيقِ دليلٌ - مَنْ نصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ قوي - ناهضٌ يدلُّ على أنَّ العملَ إذا كانَ له شروطٌ فيجبُ على المقلّدِ اتباع مجتهدٍ واحدٍ في جميعِ ما تتوقف عليه صحةُ العملِ (¬٤).
الدليل الثالث: لو قلنا بجوازِ التلفيقِ في التقليدِ لأدَّى ذلك إلى إفسادِ الشريعةِ، والتلاعبِ فيها (¬٥)، واستباحة جُلِّ المحرماتِ! وأيّ بابٍ أفسد مِنْ باب يبيح الزنا؟ ! وَيبيح الخمر؟ ! ووجه التلفيق المؤدي إليه: يمكنُ للرجلِ أنْ يراودَ امرأةً عن نفسِها، فتجيبَه إلى ذلك، فيقلّد الإمامَ أبا حنيفةَ في صحةِ عقدِها على نفسِها، ويقلِّدُ الإمامَ مالكًا في عدمِ اشتراطِ الشهودِ، وفي هذه الحالة أمكن للرجلِ أنْ يزني بامرأةٍ ولا جُرْمَ عليه، وهذا لا يقولُ بجوازِه عاقلٌ، وكلُّ ما أدَّى إلى محظورٍ، فهو محظورٌ (¬٦).
---------------
(¬١) انظر: التقرير والتحبير (٣/ ٣٥٢)، وتيسير التحرير (٤/ ٢٥٥).
(¬٢) انظر: تيسير التحرير (٤/ ٢٥٥).
(¬٣) انظر: المصدر السابق.
(¬٤) انظر: المصدر السابق.
(¬٥) انظر: مقدمة ابن خَلدون (٣/ ١٠٥١).
(¬٦) انظر: التحقيق في بطلان التلفيق للسفاريني (ص/ ١٧١ - ١٧٢).

الصفحة 1079