كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

ويستدل لمنعِ تتبعِ الرخصِ بما تقدم في أدلةِ المانعين منه.
دليل أصحاب الاتجاه الثالث: يستدلُّ القائلُ به بالدليلِ الثاني لأصحابِ القولِ الثاني - وهو: أنَّه لم يُنقلْ عن أحدٍ مِنْ علماءِ الصحابة - رضي الله عنهم -، ولا عن التابعين مَعَ كثرتِهم وتباين آرائهم وشدة تورعهم، أنَّه قالَ لمَنْ استفتاه: الواجبُ عليك أنْ تراعي أحكامَ مذهب مَنْ قلَّدته - ويحمله على أنَّ ما وَقَعَ فيه الناس من التلفيق بين آراء العلماء حين استفتائهم كان غيرَ مقصودٍ، وهذا إجماعٌ مِن السلفِ على جوازِه (¬١).
• الموازنة والترجيح:
بالنظرِ إلى المسألةِ بأقوالها، وأدلتها، يظهرُ لي أن القولَ الراجح هو التفصيل الآتي:
أولًا: بالنسبةِ إلى العامي الصِرْفِ، لا يمكن القولُ بمنعِه من التلفيقِ، وذلك لأن الغالبَ أنَّ وقوعَ العامي في التلفيق عن غيرِ قصدٍ؛ ومثلُ هذا لا يمكن منعُه؛ لإفضائِه إلى المشقةِ والحرجِ البالغين.
إضافةً إلى أنّه لم يُنقلْ عن السلفِ الصالحِ رحمهم الله أنَّهم كانوا يرشدون العامّةَ إلى مراعاةِ أقوالِهم، لئلا يقعوا في التلفيقِ بين أقوالِ المفتين.
وإنْ فُرِضَ وقوع العامي في التلفيقِ عن قصدٍ:
فإنْ قارنه تتبع الرخصِ، فله حكم مسألة: (تتبع الرخص)، وقد تقدّمَ الحديثُ عنها.
وإنْ خلا عن قصدِ تتبع الرخص، فليس له ذلك؛ لأنَّ الواجبَ عليه سؤالُ أهلِ العلمِ.
ثانيًا: بالنسبةِ للمتمذهبِ الذي لم يبلغْ درجةَ الاجتهادِ:
---------------
(¬١) انظر: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للمعلمي (٢/ ٣٨٤).

الصفحة 1083