كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

فإنْ ترجّح له ما ذَهَبَ إليه، فالقولُ في هذه الحالةِ كالقولِ في التلفيقِ في الاجتهادِ (¬١).
وإنْ قارنَ تلفيقَه تتبعٌ للرخصِ، فله حكمُ مسألةِ: (تتبع الرخص)، وقد تقدَّمَ الحديثُ عنها (¬٢).
أمَّا إنْ خلا عمَّا سبق، فإنْ وَقَعَ في التلفيقِ عن غيرِ قصدٍ، فلا حَرَجَ عليه، وإنْ قَصَدَه فالأحوطُ تركُه؛ خروجًا مِن الخلافِ.
وقد رجحتُ ما سَبَقَ، للآتي:
أولًا: القولُ بمنعِ التلفيقِ مطلقًا قولٌ لا يخلو مِنْ ضعفٍ، ولا سيما أنَّ أقوى ما يمكنُ أنْ يستدل به أصحابُ هذا القول هو دعوى الإجماعِ، ولم تسْلَمْ لهم هذه الدعوى.
ثانيًا: أن القولَ بمنعِ التلفيق مطلقًا - إضافةً إلى ضعفِه - أَوْقَعَ الناسَ في محظورٍ آخر، وهو تتبعُ الحيل، والبحث عنها؛ للتخلّصِ ممَّا وقعوا فيه، متورعين عن الوقوعِ في التلفيقِ (¬٣)، ولو أنَّ المفتين لم يتحرجوا مِن القولِ بالتلفيقِ إنْ ظَهَرَ لهم رجحانُ القولِ الآخر - الذي لم يقو الدليل على منعه - لما وَقَعَ الناسُ في الحيلِ.
ثالثًا: أنَّ في عدمِ نقلِ منعِ التلفيقِ عن المتقدمين دلالةً على ضعفِ القولِ بمنعِه مطلقًا.
رابعًا: يظهر لي أنَّ القولَ بمنع التلفيقِ الذي يستلزمُ نقضَ حكمِ الحاكمِ، أو الرجوع عمَّا عمل به المكلّفُ تقليدًا، أو عن لازمِه الإجماعي: خارجٌ عن صورةِ مسألةِ التلفيقِ أصلًا - وإنْ سلمتُ لهم الحكمَ الذي قالوه - إذ ما صَدَرَ عن المكلَّفِ في هذه الحالةِ هو رجوع عمَّا عمل، وليس تلفيقًا.
---------------
(¬١) انظر: فتاوى الإمام محمد رشيد رضا (٦/ ٢٥٧٣).
(¬٢) انظر: المصدر السابق.
(¬٣) انظر: عمدة التحقيق للباني (ص/ ١٤٠).

الصفحة 1084