كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

ثالث عشر: لا يدخلُ في حديثي هنا ما إذا وَجَدَ المتمذهبُ الحديثَ الذي استند إليه إمامُه ضعيفًا، ولم يقفْ على حديثٍ صحيحٍ في المسألةِ.
• سورة المسألة:
إذا وَجَدَ المتمذهبُ حديثًا صحيحًا يخالفُ ما قاله إمامُه، فماذا يصنع؟ أيأخذ بالحديثِ، ويترك قولَ إمامِه؛ أم يأخذ بقولِ إمامِه، ويترك العملَ بالحديثِ؟
• تحرير محل النزاع:
يمكنُ تحريرُ محل النزاعِ في ضوء الآتي:
أولًا: اتفقَ العلماءُ على تحريمِ استحلالِ مخالفةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ لأنَّه أمرٌ مخرجٌ عن الملةِ.
يقولُ ابنُ حزمٍ: "مَنْ يستحل خلافَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو كافرٌ مشركٌ؛ لقولِ الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬١) " (¬٢).
ثانيًا: يظهرُ لي أنَّ العلماءَ متفقون على أنَّ مِنْ شرطِ الاستدلالِ بالدليلِ النصّي كتابًا أو سنةً: معرفةَ أصولِ الفقهِ؛ لأنَّ الجاهلَ بعلمِ أصولِ الفقهِ لا يمكنُه الاستنباطُ مِن الدليلِ النصي على الوجهِ الصحيحِ؛ إذ علمُ أصولِ الفقه هو أهم آلةٍ لفهمِ النصوصِ، واستنباط الأحكامِ منها.
وبناءً عليه، ليس للمتمذهبِ الذي لا معرفةَ له بأصولِ الفقهِ الاستنباطُ مِنْ نصوصِ الكتابِ والسنةِ (¬٣).
يقولُ شهابُ الدّينِ القرافي: "مَنْ لم يكنْ عالمًا بأصولِ الفقهِ حَرُمَ عليه القياسُ والتخريجُ على المنصوصاتِ مِنْ قِبَل صاحبِ الشرعِ، بلْ حَرُمَ عليه
---------------
(¬١) الآية (٦٥) من سورة النساء.
(¬٢) الإحكام في أصول الأحكام (٦/ ١٥٥). وانظر: رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية (ص/٤).
(¬٣) انظر: الاعتصام للشاطبي (٣/ ٣١٨).

الصفحة 1101