كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

المتأخرين اتفقتْ كلمتُهم على أنَّ روايةَ المذاهبِ مِنْ إمامِهم إذا خالفتْ حديثًا صحيحًا يقولون قاطبةً: إن هذا الحديثَ حجةٌ عليه، وهذا لا يخفى في مواضع كثيرةٍ مِنْ كتبِ المذاهبِ الأربعةِ على مَنْ طالعها" (¬١).
ولعله يقصدُ العلماءَ المحققين مِن أربابِ المذاهبِ الأربعةِ.
ويظهرُ لي أنَّ أغلبَ مَنْ ذَهَبَ إلى هذا القولِ - ولا سيما ممَّنْ يرى جوازَ التمذهبِ - يرون اتّباعَ الحديثِ إنْ قالَ بمدلولِه إمامٌ مجتهدٌ، وقد أشارَ بعضهم إلى هذا الأمرِ في أدلتِهم، كما ستأتي بعد قليلٍ.
القول الثاني: يأخذُ المتمذهبُ بقولِ إمامِه، ويترك الحديثَ النبوي.
أشارَ ابنُ حزمٍ إلى هذا القولِ، دونَ نسبتِه إلى أحدٍ بعينه - واقتصرَ على وصفِهم بـ: "بعضِ مَنْ قوي جهلُه، وضعف عقلُه، ورقَّ دينُه" (¬٢).
وظاهرُ قولِ أبي الحسنِ الكرخي: "الأصلُ: أنَّ كلَّ آيةٍ تخالفُ قولَ أصحابِنا، فإنَّها تحملُ على: النسخِ، أو على الترجيحِ، والأَوْلَى أنْ تُحمل على التأويلِ ... الأصل: أن كلَّ خبرٍ يجيء بخلافِ قولِ أصحابِنا، فإنَّه يُحملُ على: النسخِ، أو على أنَّه معارضٌ بمثلِه، ثم صار (¬٣) إلى دليل آخر، أو ترجيحٍ فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح ... " (¬٤): موافقتُه لأصحابِ هذا القولِ.
وصنيعُ بعضِ المالكيةِ موافقٌ لهذا القولِ (¬٥).
---------------
(¬١) دراسات اللبيب (ص/ ١٠٣).
(¬٢) الإحكام في أصول الأحكام (٦/ ١٠٤).
(¬٣) لعل الصواب: "يصار"؛ إذ هو المناسب للسياق.
(¬٤) أصول الكرخي (ص/ ٨٤) مطبوعة مع تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي. وانظر في تفسير كلام الكرخي: تعليل الأحكام للدكتور ضد شلبي (ص/ ٣٤٠)، ونظرية التقعيد الفقهي للدكتور محمد الروكي (ص/ ٢١٨ - ٢٢٠).
(¬٥) انظر: النوازل الجديدة الكبرى للوزاني (١/ ٣١٠ وما بعدها).

الصفحة 1107