كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

العلمِ، أو الذي لم يبلغْ في العلمِ شأوًا كبيرًا، بدليلِ: صنيعه في كتبِه؛ فهو صنيعُ مَنْ يتَّبع الدليلَ.
وإذا صحَّ ما رجّحتُه آنفًا عن ابنِ رجبٍ، فإنَّه يشترطُ للعملِ بالحديثِ أنْ لا يتفقَ السلفُ على تركِ العملِ به (¬١)، ويتفق بذلك قول ابن رجبٍ مع قولِ شمسِ الدّينِ الذهبي الآتي في أربابِ القولِ الثالثِ.
ولبدرِ الدين للزركشي تفصيلٌ طويلٌ في المسألةِ، يؤولُ فما ظَهَرَ لي إلى حالتين:
الحالة الأولى: إنْ نظرَ المتمذهبُ المتمكنُ مِن النظرِ في المسألةِ، وجمعَ الأقوالَ وأدلتها.
فهذا يجوزُ له البقاءُ على مذهبِه، والأَوْلى له تقليدُ العالمِ الذي أَخَذَ بالحديثِ، إذا لم يعلم اطلاعَ إمامِه على الحديثِ وتركه له؛ لعلَّةٍ، أو وجودِ ما هو أقوى منه (¬٢).
الحالة الثانية: أنْ لا يجمعَ المتمذهبُ الأقوالَ وأدلتها، لكنَّه يقفُ على حديثٍ صحيحٍ مخالفٍ لقولِ إمامِه، مع جوازِ أنْ يكونَ لإمامِه حجةٌ تسوغُ معها المخالفةَ.
فالأَوْلى له تتبع المآخذ (¬٣)، فإذا لم يتبينْ له ما يخالفُ الحديث مِنْ أدلةِ القرآنِ والسنةِ، فالأخذُ بالحديثِ أَوْلى؛ تقليدًا لمَنْ عملَ به، ويجوزُ بقاءُ المتمذهبِ على مذهبِ إمامِه (¬٤).
وقد يُلحقُ بأرباب القولِ الثاني القائلون باتباعِ الحديث إنْ خالفَ قولَ الإمامِ، لكنهم يشترطون شروطًا يكون مؤداها إلى صعوبةِ الأخذِ بالحديثِ؛
---------------
(¬١) انظر: فضل علم السلف (ص/٥٧).
(¬٢) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٩٥).
(¬٣) لعل الزركشي يقصد بتتبع المآخذ: تتبع أدلة المسألة.
(¬٤) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٩٥ - ٢٩٦).

الصفحة 1109