كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

مخالفتِهم لشرعِ الله تعالى، ومِن الآياتِ الواردةِ في هذا: قولُ الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (¬١)، وقولُ الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (¬٢)، وقول الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} (¬٣).
ووجه الدلالة: أنَّ هذه الآياتِ نصٌّ في التحذيرِ ممَّنْ يُقدِّمُ رأيَ أحدٍ على حكمِ الله تعالى، يقولُ ابنُ حزمٍ: "هذا نصُّ ما فَعَلَ خصومُنا بلا تأويلٍ ولا تدبّرٍ، بلْ تُعْرَضُ عليهم الآيةُ والحديثُ الصحيحُ - الذي يقرون بصحتِه - وكلاهما مخالفٌ لمذاهب لهم فاسدةٌ، فيأبون مِنْ قبولِها لا نفارقُ ما وجدنا عليه آباءنا وكبراءنا، فقد أجابهم الله تعالى جوابًا كافيًا" (¬٤).
ويقولُ تقيُّ الدّين بنُ تيميةَ: "أكثرُ الناسِ إنَّما التزموا المذاهبَ - بل الأديان - بحُكْمِ ما تبيّنَ لهم، فإنَّ الإنسانَ على دينِ أبيه ... كما يتبع الطفلُ في الدّينِ أبويه ... ثمَّ إذا بَلَغَ الرجلُ فعليه أنْ يقصدَ طاعةَ الله ورسولِه حيثُ كانتْ، ولا يكون ممَّنْ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (¬٥)، فكلّ مَنْ عَدَلَ عن اتِّباعِ الكتابِ والسنةِ، وطاعة الله والرسولِ إلى عادتِه وعادةِ أبيه وقومِه، فهو مِنْ أهلِ الجاهليةِ ... وكذلك مَنْ تبيَّنَ له في مسألةٍ من المسائل الحقُّ الذي بَعَثَ اللهُ به رسولَه، ثم عَدَلَ عنه إلى عادتِه، فهو مِنْ أهلِ الذمِّ" (¬٦).
فالعملُ بالآيةِ والحديثِ أسلمُ مِنْ تركِهما والأخذ بقولِ مَنْ ليس معصومًا (¬٧).
---------------
(¬١) الآية (١٧٠) من سورة البقرة.
(¬٢) الآية (١٠٤) من سورة المائدة.
(¬٣) من الآية (٢٨) من سورة الأعراف.
(¬٤) الإحكام في أصول الأحكام (٦/ ١٢٥).
(¬٥) من الآية (١٧٠) من سورة البقرة.
(¬٦) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٠/ ٢٢٤ - ٢٢٥).
(¬٧) انظر: فرائد الفوائد للسلمي (ص/ ١١٢).

الصفحة 1113