كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

الدليل الثاني: إجماعُ أهلِ العلمِ على أنَّ مَنْ ثبتتْ عنده سنةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يجوزُ له تركُها، حكاه الإمامُ الشافعي، فقالَ: "أجمعَ المسلمون على أنَّ مَنْ استبانتْ له سنةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحلَّ له أنْ يدعها لقولِ أحدٍ" (¬١).
الدليل الثالث: أنَّ عددًا مِن الأئمةِ أمروا غيرَهم عند مخالفةِ أقوالهم لحديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالأخذِ بالحديثِ، وتركِ أقوالهم، وقد تقدّمَ ذكرُ بعضِ أقوالهم في مسألةِ: (نسبة القول إلى إمام المذهب بناءً على ثبوتِ الحديثِ)، ومِنْ ذلك: قولُ الإمامِ الشافعي: "إذا وجدتم عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سنةً خلاف قولي، فخذوا السنةَ، ودعوا قولي، فإنِّي أقولُ بها" (¬٢).
ويقولُ الإمامُ الشافعي للربيعِ: "قد أعطيتُك جملةً تغنيك إنْ شاءَ لله: لا تدع لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا أبدًا، إلا أنْ يأتي عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خلافه، فتفعل فيه ما قلتُ لك في الأحاديثِ إذا اختلفتْ" (¬٣).
فإذا كنتم تتبعون إمامَكم فيما يقولُ، فاتبعوه حين أَمَرَ بتركِ قولِه، والأخذِ بالحديثِ النبوي (¬٤).
يقولُ أبو شامةَ المقدسي: "أمَّا الذين يُظْهِرُون التعصبَ لأقوالِ الشافعي كيفما كانتْ، وإنْ جاءَتْ سنةٌ بخلافِها، فليسوا متعصبين له في الحقيقةِ؛ لأنَّهم لم يمتثلوا ما أَمَرَ به إمامُهم، بلْ دَأَبُهم وديدنهم إذا أُوْرِدَ عليهم حديثٌ صحيحٌ - وهو مذهبُ إمامِهم لو وَقَفَ عليه لقالَ به - أنْ يحتالوا في دفعِه بما لا ينفعهم ... " (¬٥).
---------------
(¬١) نقل كلامَ الإمام الشافعي مستدلًا به: ابنُ القيم في: مدارج السالكين (٢/ ٣٨٤ - ٣٨٥)، وابنُ أبي العز الحنفي في: الاتباع (ص/ ٢٤). وانظر: بلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ ١٣٠).
(¬٢) تقدم تخريجه في الفرع الثامن: (ثبوت الحديث).
(¬٣) الأم (٨/ ٥٣٥).
(¬٤) انظر: خطبة الكتاب المؤمل لأبي شامة (ص/ ١١٢)، وإعلام الموقعين (٥/ ٢٤٧)، ودراسات اللبيب لمحمد معين (ص/ ١٠٩).
(¬٥) خطبة الكتاب المؤمل (ص/ ١٣٠ - ١٣١).

الصفحة 1114