كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

ويقولُ أبو إسحاقَ الشاطبي: "إنَّ كلَّ عالمٍ يُصرِّحُ - أو يعرِّض - بأنَّ اتِّباعه إنَّما يكون على شرطِ أنَّه حاكمٌ بالشريعةِ، لا بغيرِها، فإذا ظَهَرَ أنَّه حاكمٌ بغيرِ الشريعة خَرَجَ عن شرطِ متبوعِه، فلم يكن تابعًا له! فتأمَّلوا كيفَ يخرجُ عن تقليدِ متبوعِه بالتصميمِ على تقليدِه؟ ! " (¬١).
ويقولُ الإمامُ الشوكاني: "تقرّرَ إجماعُ أئمةِ المذاهبِ الأربعةِ على تقديمِ النصِّ على آرائِهم" (¬٢).
مناقشة الدليل الثالث: إنَّ كلامَ الأئمةِ موجَّه إلى مَنْ بَلَغَ درجةَ الاجتهادِ في الشريعةِ الإسلاميةِ؛ لتمكّنِهم مِن استباطِ الحكمِ مِن دليلِه (¬٣).
الجواب عن المناقشة: ليسَ ممَّا يقتضيه عملُ السلفِ الصالحِ اشتراطُ رتبةِ الاجتهادِ في الشريعةِ، والتوقف عن العملِ بالحديثِ حتى يصل الناطرُ إلى أقصى غايةٍ في الاجتهادِ، بلْ كلُّ مَنْ كان مِنْ أهلِ العلمِ، فهو مطالبٌ بحسبِ ما تصلُ إليه قدرتُه مِن العلمِ (¬٤).
الدليل الرابع: لا شكَّ في أنَّ الواجبَ العملُ بالدليلِ الشرعي، واتّباعُ سنةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا لم يعملْ إمامُ المذهب بالحديثِ؛ لعذرٍ مِن الأعذارِ، فإنَّ وجوبَ العملِ به لا يرتفعُ عن أصحابِهَ إذا ظفروا به، فهم غيرُ معذورين في تركِه (¬٥)، ولا سيما أنَّ تطرّقَ الخطأِ إلى آراء العلماءِ أكثر مِنْ تطرّقِه إلى الأدلةِ الشرعيةِ (¬٦).
---------------
(¬١) الاعتصام (٣/ ٣١٧).
(¬٢) القول المفيد في حكم التقليد (ص/ ١٣٥).
(¬٣) انظر: خطبة الكتاب المؤمل لأبي شامة (ص/ ١٥٠)، ومعنى قول الإمام المطلبي لتقي الدين السبكي (ص/ ١٣٦).
(¬٤) انظر: معنى قول الإمام المطلبي لتقي الدين السبكي (ص/ ١٢٠ - ١٢١).
(¬٥) انظر: خطبة الكتاب المؤمل لأبي شامة (ص / ١٢٤ - ١٢٥)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٢١٤، ٢٢٣)، وإعلام الموقعين (٤/ ٤٠٨)، و (٥/ ٢٤٧)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ ١١٢)، والتقرير والتحبير (٣/ ٣٥١)، وتيسير التحرير (٤/ ٢٥٥)، ودراسات اللبيب لمحمد معين (ص/ ٩٠).
(¬٦) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٢٥٠).

الصفحة 1115