كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

تقليدًا لإبراهيمَ النخعي (¬١)، بلْ عليه أنْ يتعمدَ الأخذَ بكلِّ قولٍ خالفَ صاحبُه حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يفعلُه مسلمٌ (¬٢).
الوجه الثاني: يقتضي دليلُكم أنْ يتركَ المتمذهبُ مذهبَه فيما إذا وافقَ إمامُه الدليلَ فيه، وخالفه غيرُه مِن العلماءِ، وأنتم لا تصنعون ذلك (¬٣).
الوجه الثالث: يلزم مِنْ دليلِكم استحقاقُ إمامِ مذهبِكم لسخطِ الله تعالى؛ لأنَّ إمامَكم في ضوءِ ما قلتُم كاتمٌ لعلمٍ عنده عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول تبارك وتعالى متوعِّدًا مَنْ كَتَمَ علمًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} (¬٤).
الوجه الرابع: القولُ بأنَّ إمامَ المذهبِ قد اطَّلعَ على الدليلِ، وخالفَه؛ لأمرٍ يقتضي المخالفةِ، قولٌ غيرُ دقيقٍ؛ فقد يكون واقعُ الأمرِ أن إمامَ المذهب لم يطَّلعْ على الحديثِ أصلًا، أو بَلَغَه فنسيه، أولم ينسه، لكنَّه لم يخَطرْ على بالِه، أو تأوّله بتأويلٍ - من تخصيصٍ أو نسخٍ - لا يصحّ وجهُه (¬٥)، ونحو ذلك مِن الأعذارِ التي تُخرج العالم عن
---------------
= فقال عمر: (لا تصل) ... الأثرَ، وفي رواية: (أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء)، وأخرجه: البخاري في: صحيحه، كتاب: التيمم، باب: المتيمم هل ينفخ فيهما (ص/ ٨٧)، برقم (٣٣٨)؛ ومسلم في: صحيحه، كتاب: الحيض، باب: التيمم (١/ ١٧٣)، برقم (٣٦٨) بسياق أطول.
وأخرج: ابن أبي شيبة في: المصنف، كتاب: الطهارة، باب: من قال: لا يتيمم حتى يجد الماء (٢/ ١٨٣)، برقم (١٦٧٩)، وابن حزم في: المحلى (٢/ ١٩٥ - ١٩٦) عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال في الجنب: (لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرًا).
(¬١) أخرج قول إبراهيم النخعي: ابنُ حزم في: المحلى (٦/ ٢٧٦) بإسنادٍ وصفه بأنه أصح إسناد.
وانظر قول إبراهيم في: حلية العلماء للقفال (٣/ ٢٠٠)، والمغني لابن قدامة (٤/ ٣٧٢).
(¬٢) انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٦/ ١٠٤).
(¬٣) انظر: المصدر السابق.
(¬٤) الآية (١٥٩)، ومن الآية (١٦٠) من سورة البقرة.
(¬٥) للأمثلة على هذه الأعذار، انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٦/ ١٠٤ - ١٠٥)، ورفع الملام لابن تيمية (ص/ ٧ وما بعدها).

الصفحة 1120