كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

• وقالَ سعيدُ بنُ جبير (¬١): كان ابنُ عمرَ يدَّهنُ بالزيتِ، فذكرتُه لإبراهيمَ النخعي، فقالَ: (ما تصنع بقوله حدثني الأسود عن عائشة قالت (كأنَّي أنظر إلى وبيصِ (¬٢) الطيبِ في مَفْرِق (¬٣) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مُحْرِمٌ) (¬٤).
يقولُ ابنُ حزمٍ معلِّقًا على قولِ إبراهيمَ: "فهذا الذي يليقُ بإبراهيمَ - رحمه اللهُ - وهو أنْ لا يلتفت إلى قولِ ابنِ عمرَ إذا وَجَدَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافَه" (¬٥).
ويمكن أن يضاف وجه رابع في المناقشة: أنَّ قولَ إبراهيمَ النخعي محمولٌ على إجماعِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، فإذا أجمعوا على قولٍ مخالفٍ للقرآنِ الكريم، فالمقدَّمُ هو الإجماع، ويكون ما خالفه منسوخًا.
الدليل الثالث: إذا وجَدْنا الدليلَ على خلافِ قولِ إمامِ مذهبِنا، فلإمامِنا حجةٌ راجحةٌ على الدليلِ لم نطلعْ عليها، أوْ له جوابٌ عنه لم
---------------
(¬١) هو: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي مولاهم الكوفي، أبو محمد أو أبو عبد الله، كان أحد أئمة التابعين وأعلامهم، ثقةً إمامًا حافظًا مقرئًا، ومفسرًا للقرآن، روى عن عبد الله بن عباس وأكثر الرواية عنه، وأجادها، قال إسحاق بن شعيب: "كان يُقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء"، توفي سنة ٩٥ هـ مقتولًا بسيف الحجاج بن يوسف. انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد (٦/ ٢٥٦)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (٤/ ٢٧٢)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٢/ ٣٧١)، وتهذيب الكمال للمزي (١٠/ ٣٥٨)، وسير أعلام النبلاء (٤/ ٣٢١)، وطبقات المفسرين للداودي (١/ ١٨١).
(¬٢) الوبيص: البريق واللُمعة. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة: (وبص)، (ص/ ٩٥٦)، والقاموس المحيط، مادة: (وبص)، (ص/ ٨١٨).
(¬٣) المَفْرِق، ويقال: المِفْرَق: وسط الرأس، وهو الذي يفرق فيه الشعر. انظر: القاموس المحيط، مادة: (فرق)، (ص/ ١١٨٤).
(¬٤) أخرج حديثَ عائشة - رضي الله عنها -: البخاريُّ في: صحيحه، كتاب: الغُسل، باب: من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب (ص/ ٢٦٧)، برقم (٢٧١)؛ ومسلمٌ في: صحيحه، كتاب: الحج، باب: الطيب للمحرم عند الإحرام (١/ ٥٣٤)، برقم (١١٩٠).
وأخرج قول سعيد لإبراهيم النخعي: البخاريُّ في: صحيحه، كتاب: الحج، باب: من الطيب عند الإحرام (ص/٢٩٨)، برقم (١٥٣٧).
(¬٥) الإحكام في أصول الأحكام (٦/ ١٠٨).

الصفحة 1122