كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

وَجَدَ فيها الدليلَ على خلافِ قولِ إمامِه قد دلَّه على أنَّ ما خالف قولَ إمامه هو الراجح، فعليه اتباعه؛ لأنَّ هذا هو ما يستطيعه في تقوى الله.
فإنْ تبيّنَ له فيما بَعْدُ أنَّ لهذا النصِّ معارضًا راجحًا عادَ إلى قولِ إمامِه، وكان حكمُه حكمَ المجتهدِ إذا تغيَّرَ اجتهادُه، وكان انتقالُه محمودًا؛ لأنَّه انتقالٌ لموافقةِ الحقِّ، بخلافِ إصرارِه على قولِ إمامِه إذا تَبَيّنَتْ مخالفتُه للدليلِ، فإنَّه مذمومٌ (¬١).
ثمَّ يبطل ادِّعاؤُكم بأنَّ إمامَ المذهبِ قد أحاطَ بنصوصِ الكتابِ والسنةِ: ما جاءَ عن الأئمةِ أنفسِهم مِنْ نفيهم الإحاطة بجميعِ أحاديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فها هو الإمامُ الشافعي يقولُ: "لا نعلمُ رجلًا جمَعَ السننَ فلم يذهبْ منها عليه شيءٌ" (¬٢)، ويقولُ أيضًا: "قد يجهلُ الرجلُ السنةَ، فيكون له قولٌ يخالفُها" (¬٣).
وسعةُ علمِ الإمامِ وكثرتُه لا تستلزمُ اطلاعه على جميعِ النصوصِ (¬٤).
الدليل الرابع: إذا خالفَ قولُ إمامِ المذهبِ في مسألةٍ من المسائلِ الدليلَ النقلي مِنْ كتابٍ أو سنةٍ، فالمقدَّمُ عندنا قولُ إمامِنا؛ لأنَّه أعلمُ منا بالشرعِ وأدلتِه (¬٥).
مناقشة الدليل الرابع: معارضتُكم الأخذ بالدليلِ النقلي كتابًا أو سنة: بأنَّ إمامَكم أعلمُ منكم، معارضةٌ فاسدةٌ؛ لأنَّ المخالفَ لإمامِكم نظيرٌ له في معرفةِ الشرع وأدلتِه، وفي معرفةِ المسألة التي وَرَدَ فيها الدليلُ بخصوصِها،
---------------
(¬١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٢١٣ - ٢١٤).
(¬٢) الرسالة (ص/ ٤٢).
(¬٣) المصدر السابق (ص/ ٢١٩).
(¬٤) انظر: أضواء البيان (٧/ ٥٦٧ - ٥٦٨). وسبقت الإشارة في المبحث الثاني من الفصل الثالث إلى أنَّ أجلة الصحابة - رضي الله عنهم - خفيت عليهم بعض السنن.
(¬٥) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٢١٥)، ودراسات اللبيب لمحمد معين (ص/ ٣٣)، ورفع العتاب والملام للفاسي (ص/ ٧٩)، والدرر السنية لابن قاسم (١/ ٤٤).

الصفحة 1124