كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

الدليل الخامس: إذا وجدنا حديثًا مخالفًا لقولِ إمامِنا فإنَّنا في زمننا لا نتمكن مِنْ معرفةِ صحةِ الحديثِ مِنْ عدمِها؛ لقلَّةِ باعِنا فيه، وقد سَبَقَنا إمامُنا في معرفةِ الأحاديثِ، فنبقى على قولِه (¬١).
مناقشة الدليل الخامس: لا يستقيمُ إطلاق دليلِكم في كلِّ زمنٍ وفي كلِّ قُطْرٍ، بلْ لو فُرِضَ أنَّ أهلَ العلمِ في قُطْرٍ ما وفي زمنٍ ما لم يتمكنوا مِنْ معرفةِ صحةِ الحديثِ، فإنَّ هذا لا يكون في كلِّ الأقطار في زمنهم، فدليلكم إنَّما يستقيمُ لو لم تدوَّنْ علوا الحديثِ وأسانيد السنةِ، ولم يَحْكُمْ عليها أئمةُ المحدثين، وهي بحمد الله مدوَّنةٌ، ومشروحةٌ، ومعتنى بها (¬٢).
الدليل السادس: أنَّ في تركِ المتمذهبِ قولَ إمامه واتباعِه للحديثِ تشويشًا على العامةِ، إذا كانوا لا يعرفون غيرَ قولِ إمامِهم، وفتحًا لبابِ القيل والقال، وإذا كانت المسألةُ اجتهاديةً، فيخفف فيها بجوازِ البقاءِ على قولِ الإمامِ (¬٣)، وقد تَرَكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بناءَ الكعبةِ على قواعد إبراهيمَ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ القومَ كانوا حدثاء عهدٍ بالكفرِ؛ خشيةَ وقوع فتنة بين بعضِ المسلمين (¬٤).
ويمكن أنْ يناقشَ الدليل السادس: بأنَّ للمتمذهبِ الأخذَ بالدليلِ دونَ دعوةِ الناسِ إلى قولِه؛ لئلا يترتبَ عليه فتنةٌ حالَ الخشية مِن وقوعِها، وبإمكانِه أنْ يخرِّجَ مدلولَ الحديثِ على أصولِ مذهبِه أو فروعِه (¬٥)، ثمَّ ما
---------------
(¬١) انظر: دراسات اللبيب لمحمد معين (ص/٣٨).
(¬٢) انظر: المصدر السابق.
(¬٣) انظر: النوازل الجديدة الكبرى للوزاني (١/ ٣١٣ - ٣١٤)، وأصول الإفتاء للعثماني (ص/ ٤٧٠) مع شرحه المصباح في رسم المفتي.
(¬٤) لفظ الحديث: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت، ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام، فإنَّ قريشًا استقصرت بناءه، وجعلت له خلفًا)، وأخرجه: البخاري في: صحيحه، كتاب: الحج، باب: فضل مكة وبنيانها (ص/ ٣٠٧)، برقم (١٥٨٥)، واللفظ له؛ ومسلم في: صحيحه، كتاب: الحج، باب: نقض الكعبة وبنائها (١/ ٦٠٤)، برقم (١٣٣٣).
(¬٥) يقول ابن القيم في: إعلام الموقعين (٦/ ١٦٧): "إذا ترجَّح عنده - أي: عند المجتهد في مذهب إمامه - قول إمامه؛ بدليل راجح، فلا بُدّ أنْ يخرَّج على أصول إمامه وقواعده؛ =

الصفحة 1126