كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

ذكرتموه حالةٌ جزئيةٌ خاصةٌ، لا يستقيم أنْ نُعمّمَ الحكمَ بسببِها.
الدليل السابع: أنَّ في مخالفةِ المتمذهبِ قول إمامِه، وانتصارِه لرأي مقابلِه إساءةَ أدبٍ معه (¬١).
ويمكن مناقشة الدليل السابع: بأنَّه دليلٌ ظاهرُ الضعفِ، فليس في تركِ قولِ إمامِ المذهب إساءةُ أدبٍ أصلًا، ثمَّ كيفَ يُقالُ: إنَّ في مخالفتِه إساءةَ أدبٍ، والمخالفُ إنَّما خالفَ قولَ إمامِه؛ لقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ! أفلا قالَ: إنَّ في تركِ الحديثِ النبوي إساءةَ أدبٍ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع العلمِ أنَّ الأئمةَ أمروا بتركِ أقوالِهم إن خالفتْ حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الدليل الثامن: إذا عذرتم إمامَ المذهبِ في تركِ العملِ بالحديثِ، وخطئه في قولِه، بلْ قلتُم: له أجرٌ واحدٌ؛ لاجتهادِه، فيلزمكم أنْ تعذرونا في الخطأِ، وتقولوا: إنَّ لنا أجرًا واحدًا إذا أخذنا بقولِ إمامِنا؛ لأنَّنا اتّبعنا مَنْ حكمتم عليه بهذا الحكمِ (¬٢).
مناقشة الدليل الثامن: أجابَ عن الدليلِ الشيخُ محمد الأمين الشنقيطي، فقالَ: "إنَّ إمامَ المذهبِ الذي قلَّدوه بَذَلَ جهدَه في تعلُّمِ كتابِ الله وسنةِ رسوله وأقوالِ الصحابةِ وفتاويهم ... ومَنْ كان هذا شأنه، فهو جديرٌ بالعُذرِ في خطئِه، والأجرِ في اجتهادِه.
أمَّا مقلِّدوه، فقد تَرَكُوا النظرَ في كتاب الله وسنةِ رسولِه، وأعرضوا عن تعلمهما إعراضًا كليًا مع يسرِه وسهولتِه، ونزَّلوا أقوالَ الرجالِ الذين يخطئون ويصيبون منزلةَ الوحي المنزَّل مِن لله، فأينَ هؤلاءِ مِنْ الأئمةِ الذين قلَّدوهم؟ !
---------------
= فإنَّ الأئمةَ متفقةٌ على أصولِ الأحكام، ومتى قال بعضهم قولًا مرجوحًا فأصوله تردُّه وتقتضي القول الراجح، فكلّ قولٍ صحيح يخرَّج على أقوال الأئمة بلا ريب".
(¬١) انظر: النوازل الجديدة الكبرى للوزاني (١/ ٣١٣).
(¬٢) انظر: أضواء البيان (٧/ ٥٧١ - ٥٧٢).

الصفحة 1127