كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

وهذا الفرقُ العظيمُ بينهم، وبينهم يدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّهم ليسوا مأجورين في الخطأِ في تقليدٍ أعمى ... وليسوا معذورين؛ لأنَّهم تركوا ما يلزمهم تعلمه مِنْ أمرِ الله ونهيه على ضوءِ وحيه المنزّلِ" (¬١).
أدلةُ أصحابِ القولِ الثالث:
يمكنُ لأصحابِ القولِ الثالثِ أنْ يستدلوا لتقديمِ الحديثِ النبوي على قولِ إمامِ المذهبِ في الحالةِ التي حددوها بأدلةِ أصحابِ القولِ الأولِ.
أمَّا قولهم: يقدّم قول الإمامِ عند عدمِ عملِ أحدٍ من المجتهدين بالحديثِ:
فلم أقفْ لهم على دليلٍ لهذه الحالة، لكنَّ تقيَّ الدين السبكي وجَّه قولَهم، فقال: "لأنَّ ذلك - أيْ: أن لا يجدَ المتمذهب أحدًا عمل بالحديثِ - إنَّما يكون حيثُ يكون إجماعٌ" (¬٢).
ولابنِ رجبٍ كلامُ يصحُّ لي أنْ أجعلَه دليلًا لهم: أنَّ في اتفاق السلفِ على تركِ العملِ بالحديثِ دليلًا على علمِهم بما يُوجبُ تركَه (¬٣).
وقد أجاب تقيُّ الدين السبكي نفسُه على ما قد يكون مستندًا لهم، فقالَ: "لكن قد يفرضُ في مسألةٍ لا نقلَ فيها عن غيرِ الشافعي" (¬٤).
وفي موضعٍ آخر أفادَ تقيُّ الدين بأنَّه "ليس في الأحاديثِ الصحيحةِ ما أجمعَ العلماءُ على تركِه" (¬٥).
---------------
(¬١) المصدر السابق (٧/ ٥٧٢). وأنبه إلى أنَّ بدر الدين الزركشي في: البحر المحيط (٦/ ٢٩٦) ذكر دليلًا لأصحاب القول الثاني، مفاده: أننا استقرأنا أحوال الصحابة - رضي الله عنهم -، ومقلِّديهم، فوجدنا أنَّهم لم ينكروا على من استفتاهم في مسألة، وسأل غيرهم عن أخرى، ولو كان هذا غير جائز لأمر الصحابيُّ المستفتي بالعود إلى من استفتاه قبل ذلك.
ولم يظهر لي وجه العلاقة بين الدليل، ومسألتنا؛ إذ هذا دليل لمن قال بعدم لزوم التمذهب.
(¬٢) معنى قول الإمام المطلبي (ص/١٠٧).
(¬٣) انظر: بيان فضل علم السلف (ص/٥٧).
(¬٤) معنى قول الإمام المطلبي (ص/ ١٠٧).
(¬٥) المصدر السابق.

الصفحة 1128