كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

• الموازنة والترجيح:
بعد النظرِ في المسألةِ وما فيها من أقوال وأدلة، يظهرُ لي الآتي:
أولًا: القولُ بتقديمِ قولِ إمامِ المذهبِ مطلقًا - كما ذَهَبَ إليه أصحابُ القولِ الثاني - قولٌ ضعيفٌ، وذلكَ لضعفِ أدلتِهم، ولقوةِ أدلةِ مخالفيهم.
ثانيًا: إنْ كان قولُ الإمامِ - أو ما استقرَّ عليه المذهبُ - مخالفًا للحديثِ مخالفةً صريحةً، فهنا ثلاثُ حالات:
الحالة الأولى: أنْ يقولَ بما دلَّ عليه الحديثُ مذهبٌ مِن المذاهبِ المتبوعةِ.
فهنا يتّبعُ المتمذهبُ الحديثَ؛ لأنَّه خَرَجَ عن الأخذِ بقولِ إمامِه إلى الأخذِ بقولِ إمامِ آخر.
الحالة الثانية: أنْ يقولَ بما دلَّ عليه الحديثُ بعضُ السلفِ، دونَ بقيةِ المذاهبِ المتبوعةِ، فهنا:
* إنْ ثَبَتَ القولُ عن قائلِه: فللمتمذهبِ الأخذُ بالحديثِ، وله الأخذُ بمذهبِ إمامِه؛ لأنَّ الغالب أنْ لا تتفقَ المذاهبُ على تركِ القولِ الراجح - إلا في القليلِ النادرِ - ولذا فينبغي أنْ لا يُقْدِم المتمذهبُ على الأَخذِ بالحديثِ إلا بعد مزيدِ نظرٍ وتأمّلٍ، وجمعٍ لأطرافِ المسألةِ، وليس في هذا تقليلٌ مِنْ شأنِ الحديثِ النبوي، بلْ حرصٌ على أنْ لا يقعَ المتمذهبُ في العمل بحديثٍ تَرَكَه أجلةُ الأئمةِ؛ لعلّةٍ خفيت على المتمذهبِ.
* وإنْ لم ثبت القولُ عن قائلِه - أو شكّ في ثبوتِه - فليس له الأخذُ بالحديثِ؛ لأنَّ تركَ الأئمةِ وعلماء السلفِ له قادحٌ في ثبوتِه، أو دالٌّ على نسخِه.
الحالة الثالثة: أنْ لا يقولَ بما دلَّ عليه الحديثُ أحدٌ مِنْ أهلِ العلمِ المعتد بهم.

الصفحة 1129