كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 3)

لا يجوزُ عقلًا أنْ يعتقدَ أمامُ المذهبِ قولينِ مختلفينِ في وقتٍ واحدٍ، فلا يصحُّ أنْ يعتقدَ أنَّ حكمَ الفعلِ التحريم في وقتٍ معيّنٍ، ومكانٍ معيّنٍ، على وجهٍ معيّنٍ، ويعتقدَ أيضًا أنَّ هذا الفعلَ مباحٌ (¬١).
يقولُ القاضي أبو يعلى: "لا يجوزُ أنْ يُقْالَ في الحادثةِ الواحدةِ بقولين في وقتٍ واحدٍ" (¬٢).
وقد نَسَبَ أبو الخطاب (¬٣)، وابنُ مفلحٍ (¬٤)، وابنُ أمير الحاج (¬٥) القولَ بعدمِ الجوازِ إلى عامّةِ العلماءِ.
ونَسَبَه محمد الأسمندي (¬٦)، والموفقُ بنُ قدامة (¬٧) إلى عامّةِ الفقهاءِ.
بل الظاهر أنَّ هذا الأمرَ محلُّ اتفاقٍ بين الأصوليين القائلين بأنَّ المصيبَ مِن المجتهدين واحد (¬٨)؛ إذ حكى الإجماعَ عليه أبو إسحاقَ الشيرازي، فقالَ: "إنْ أردتم أنَّه لا يجوزُ أنْ يعتقدَ قولين متضادين على سبيلِ الجمعِ، مثل: أنْ يقولَ: هذا الشيءُ حلالٌ وحرامٌ، فهذا لا يجوزُ بالإجماعِ، ولا يقولُ به أحدٌ" (¬٩).
وتبع صدرُ الدين السلمي أبا إسحاقَ الشيرازي في حكايةِ الإجماعِ (¬١٠).
لكنْ جاءَ عن الإمامِ الشافعي ذكرُ قولين مختلفين في مسألةٍ واحدةٍ -
---------------
(¬١) انظر: المعتمد (٢/ ٨٦٠)، والتبصرة (ص/ ٥١١)، وقواطع الأدلة (٥/ ٦١)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (٢/ ١٢٢٧)، وشرح العضد على مختصر المنتهى (٢/ ٢٩٩).
(¬٢) العدة (٥/ ١٦١٠). وانظر: شرح اللمع (٢/ ١٠٧٩)، والمسودة (٢/ ٨٢٩).
(¬٣) انظر: التمهيد في أصول الفقه (٤/ ٣٥٧).
(¬٤) انظر: أصول الفقه (٤/ ١٥٠٥).
(¬٥) انظر: التقرير والتحبير (٣/ ٣٣٣).
(¬٦) انظر: بذل النظر (ص / ٦٦١).
(¬٧) انظر: روضة الناظر (٣/ ١٠٠٤).
(¬٨) انظر: التبصرة (ص/ ٥١١)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ ٥٠، ٧٦).
(¬٩) شرح اللمع (٢/ ١٠٧٦).
(¬١٠) انظر: فرائد الفوائد (ص/ ٥٧).

الصفحة 1137