يقولُ أبو إسحاقَ الشيرازي: "وهذا - أيْ: ما جاءَ عن الإمامِ الشافعي - لا يدلُّ إلا على غزارةِ العلم وقوةِ الفقهِ، وأنَّ الأصولَ تزاحمتْ عنده، والأشباه ترادفتْ حتى أَوْجَبَ ذلَك توقُّفًا في حكمِ الحادثةِ" (¬١).
ويقولُ إمامُ الحرمين الجويني: "فالسديدُ إذًا أنْ نقولَ في القسمِ الأخيرِ الذي ختمنا الكلامَ به، وهو أنْ ينصَّ على قولينِ في الجديد، ولا يختارُ أحدَهما: إنَّه ليس له في المسألةِ قولٌ ولا مذهبٌ، وإنَّما ذَكَرَ القولين؛ ليُتَرَدَّد فيهما، وعدمُ اختيارِه لأحدِهما لا يكون ذلك خطأٌ منه، بلْ علو رتبةِ الرجلِ، وتوسعِه في العلمِ" (¬٢).
ورجَّحَ الجوابَ الثالثَ جمعٌ مِنْ علماءِ الشافعيةِ ومحققيهم، منهم: أبو المظفرِ السمعاني (¬٣)، والفخرُ الرازي (¬٤)، وتاجُ الدين الأرموي (¬٥)، وسراجُ الدين الأرموي (¬٦)، والقاضي البيضاوي (¬٧)، وصفيُّ الدين الهندي (¬٨)، وتاجُ الدين بن السبكي (¬٩)، وبدرُ الدين الزركشي (¬١٠).
فإنْ قالَ قائلٌ: لا يصحُّ القولُ بناءً على هذا الجوابِ: إنَّ للإمامِ الشافعي في المسألةِ قولين، فليس له قولٌ أصلًا (¬١١).
فالجوابُ: ما ذكره إمامُ الحرمين الجويني، فقالَ: "هكذا نقولُ - أيْ:
---------------
(¬١) شرح اللمع (٢/ ١٠٧٩).
(¬٢) التلخيص في أصول الفقه (٣/ ٤٢٠ - ٤٢١). وانظر: البرهان (٢/ ٨٩٢).
(¬٣) انظر: قواطع الأدلة (٥/ ٨٤ - ٨٥).
(¬٤) انظر: المحصول في علم أصول الفقه (٥/ ٣٩١).
(¬٥) انظر: الحاصل من المحصول (٢/ ٩٦٦).
(¬٦) انظر: التحصيل من المحصول (٢/ ٢٥٥).
(¬٧) انظر: منهاج الوصول (٧/ ٢٧٠٥) مع شرحه الإبهاج.
(¬٨) انظر: نهاية الوصول (٨/ ٣٦٣٥).
(¬٩) انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (٧/ ٢٧٠٥).
(¬١٠) انظر: تشنيف المسامع (٣/ ٤٨٠).
(¬١١) انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (٣/ ٤٢١)، وحقيقة القولين للغزالي، منشور في: مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد: الثالث (ص/ ٢٩٤).