كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 3)

رجّحه (¬١).
يقولُ الحسنُ بنُ حامدٍ: "إذا وَرَدَ - أيْ: عن الإمام أحمد - الجوابُ بالاختلافِ ... فقال بأحدِهما، فإنَّه يصار إلى ما قَطَعَ به منهما، وثُبِّتْ مذهبُه عليه، ولا يُؤثِّرُ الآخرُ شيئًا، ويُقْطَعُ على أنَّ الآخرَ ليس مذهبًا له" (¬٢).
مثال هذه الحالة: سألَ مُهَنّا الإمامَ أحمد عن رجلٍ قال: أولُ غلامٍ لي يخرجُ فهو حرٌّ، فخَرَجَ غلامانِ، أو كلُّ عبيده؟ فقال الإمام أحمد: "قد اختلفوا". قلتُ له: ما تقولُ أنتَ؟ قال: "يقرعُ بينهم" (¬٣).
ومِنْ وجهةِ نظري: فإنّ مثلَ هذه الحالة لا تحتمل وجود الخلافِ في بيانِ اختيارِ إمامِ المذهبِ؛ وذلك لنصِّه عليه.
وهنا اعتراض، وهو: إذا كان الصحيحُ عند إمامِ المذهبِ هو القول الذي اختاره، فلِمَ ذَكَرَ القولَ الآخر؟ وأيّ فائدةٍ في ذكرِه؟ (¬٤).
فالجواب: مِن المحتملِ أنَّ الإمامَ وطّأ لقولِه واختيارِه بذكرِ الخلافِ في المسألةِ (¬٥)، ثمَّ لذِكْرِ القولِ الآخر الذي لا يختاره عدة فوائد:
منها: أنْ يُعْلِمَ الإمامُ أصحابَه وتلاميذَه طُرُقَ الاجتهادِ؛ لاستخراجِ الأحكامِ، والتمييزِ بين الصحيحِ والفاسدِ.
ومنها: أنَّ بعضَ أصحابِ الإمامِ وتلاميذه قد يؤديهم اجتهادُهم إلى رأي ضعيفٍ، ولا يتنبهون إلى ضعفِه، فإذا بيَّنَ الإمامُ اختيارَه تنبهوا إلى ضعفِ غيرِه (¬٦).
---------------
(¬١) انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (٥/ ٣٩١)، ونهاية الوصول للهندي (٨/ ٣٦٣٥)، والإبهاج في شرح المنهاج (٧/ ٢٧٠٥)، وتشنيف المسامع (٣/ ٤٨٠)، والبحر المحيط (٦/ ١٢٠).
(¬٢) تهذيب الأجوبة (١/ ٥٠٢).
(¬٣) نقل ابن حامد هذه المسألة في: المصدر السابق (١/ ٥٠٠).
(¬٤) انظر: شرح اللمع (٢/ ١٠٧٨).
(¬٥) انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (٣/ ٤١٧).
(¬٦) انظر: شرح اللمع (٢/ ١٠٧٨).

الصفحة 1169