كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 3)

مناقشة الدليل الأولك لا يصحُّ إلحاقُ أقوالِ إمامِ المذهبِ بأقوالِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هناك فرقٌ بينهما، وإذا كان ثمّةَ فرقٌ لم يصحّ القياسُ، وبيانُ الفرقِ: أنَّ الشرعَ أَذِنَ في الاجتهادِ في أقوالِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذا جازَ الترجيحُ بينها إذا تعارضتْ، ومِنْ أينَ لكم أنَّ إمامَ المذهبِ قد أَذِنَ في الاجتهادِ في أقوالِه إذا تعارضتْ؟ ! (¬١).
الجواب عن المناقشة: إذا بيَّنَ إمامُ المذهبِ أصولَه وقواعدَه، فإنَّ في هذا إذنًا في التفريعِ عليها، إذ الإمام ألزمَ نفسَه بما تقتضيه هذه الأصولُ والقواعدُ (¬٢)، والظاهرُ مِنْ حالِه أنَّه يَطْرُدُها في جميعِ المسائلِ (¬٣).
الدليل الثاني: إذا تعارضتْ أقوالُ إمامِ المذهبِ في المسألةِ الواحدةِ، ولم يُعْلَم المتقدِّم منها، فإنَّنا نرجّحُ القولَ الأشبهَ بَأصولِ الإمامِ؛ لاقترانِه بدليل مِنْ مذهبِ الإمامِ نفسِه - وهو موافقة أصل مِنْ أصولِه - فكان هو المرجَّح منها (¬٤).
ومِنْ جهةٍ أخرى: يغلبُ على الظنِّ أنَّ القولَ الأشبهَ بأصولِ إمامِ المذهبِ وقواعدِه، قولُه المتأخر (¬٥).
أدلةُ أصحابِ القول الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: ليس تقديمُ أحدِ قولي إمامِ المذهبِ أولى مِنْ تقديمِ القولِ الآخر؛ ولا يسوغُ إهمالُ كلا القولين، فقلنا بإثباتِهما - وجعلنا الحُكْمَ مختلفًا فيه عنده (¬٦) - إلى أنْ يَتَبَّينَ لنا أيُّ القولين هو المتأخر؟ فنأخذ به.
---------------
(¬١) انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (٢/ ٣٥٧).
(¬٢) انظر: المصدر السابق.
(¬٣) انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٦٤٧).
(¬٤) انظر: قواطع الأدلة (٥/ ٧٦ - ٧٧).
(¬٥) انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (١/ ٧١).
(¬٦) انظر: العدة (٥/ ١٦١٧).

الصفحة 1191