كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 3)

واستمعْ إلى ما يقوله الشيخُ ظفر أحمد التهانوي الحنفي عن الإمام أبي حنيفةَ: "فوالله لم يُولدْ في الإسلامِ بعدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أيمنُ وأسعدُ مِن النعمان أبي حنيفة" (¬١).
وهذا غلوُّ كبيرٌ، وتنزيلٌ للإمامِ فوقَ الدرجةِ التي يستحقها، وحطٌّ مِنْ قدرِ صحابةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
ويقولُ الفخرُ الرازي: "القولُ بأنَّ قولَ الشافعي خطأٌ في مسألةِ كذا، إهانةٌ للشافعي القرشي، وإهانةُ قريشٍ غيرُ جائزةٍ، فوجَبَ أنْ لا يجوزَ القولُ بتخطئتِه في شيءٍ من المسائلِ ... ! " (¬٢).
وقد تقدمتْ حكايةُ أبي شامةَ المقدسي لحال بعض علماءِ الشافعيةِ مع كتبِ أبي إسحاقَ الشيرازي وأبي حامد الغزالي؛ إذ يرون أن نصوصَهما كنصوصِ الكتابِ والسنةِ، لا يُخْرَجُ عنها (¬٣).
ويقولُ تقيُّ الدين بنُ تيمية عن أتباعِ الأئمةِ الأربعةِ: "تجدُ أحدَهم دائمًا يَجِدُ في كلامِهم - أي: أئمة الفقهاء - ما يراه هو باطلًا، ويتوقّفُ في ردِّ ذلك؛ لاعتقادِه أنَّ إمامَه أكملُ منهم عقلًا وعلمًا ودينًا، هذا مع علمِ كلٍّ مِنْ هؤلاءِ أنَّ متبوعَه ليس بمعصومٍ، وأنَّ الخطأَ عليه جائزٌ (¬٤).
ويبيِّنُ أبو إسحاقَ الشاطبي سببَ تعصبِ بعضِ المالكيةِ على الإمامِ بقي بنِ مخلد، فيقول: "هو تحكيمُ الرجالِ على الحقِّ، والغلوُّ في محبةِ المذهبِ" (¬٥).
---------------
(¬١) نقل الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة العبارة السابقة في تعليقه على كتاب: الرفع والتكميل للكنوي (ص/ ٣٩٤). وانظر: العَلَم الشامخ للمقبلي (ص / ٤٠٢).
(¬٢) إرشاد الطالبين إلى المنهج القويم (ص/ ٣٩٢).
(¬٣) انظر: خطبة الكتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول لأبي شامة (ص/ ١٤٠).
(¬٤) درء تعارض العقل والنقل (١/ ١٥٥). وانظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ١١٣٧).
(¬٥) الاعتصام (٣/ ٣٢٠).

الصفحة 1438