يقولُ أبو شامة المقدسي: "اختلافُ الأئمةِ رحمةٌ" (¬١).
ويقولُ جلالُ الدين السيوطي: "اعلمْ أنَّ اختلافَ المذاهب في هذه الملّةِ نعمةٌ كبيرةٌ، وفضيلةٌ عظيمةٌ ... " (¬٢)، ويقولُ أيضًا: "إنَّ اختلافَ المذاهبِ في هذه الملّة خِصّيصةٌ فاضلةٌ لهذه الأمةِ، وتوسيعٌ في هذه الشريعةِ السمحةِ السهلةِ ... " (¬٣).
وقد وَصَفَ السيوطيُّ القائلين بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جاءَ بشرع واحدٍ، فمِنْ أينَ جاءَت هذه المذاهب الأربعة؟ بالجُهالِ (¬٤).
وقد جاءَ عن بعضِ السلفِ أقوالٌ في هذا المعنى، دالةٌ على تخفيفِ وطأةِ اختلافاتِ العلماءِ فيما كان طريقُه الاجتهاد، فمِنْ هذا:
- قول عمر بن عبد العزيز (¬٥): "ما يَسُرّني باختلافِ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حُمْر النَّعَم (¬٦) " (¬٧).
---------------
(¬١) خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (ص/ ٩٩).
(¬٢) جزيل المواهب في اختلاف المذاهب (ص/ ٢٥).
(¬٣) المصدر السابق (ص/ ٢٧).
(¬٤) انظر: المصدر السابق (ص/ ٢٥).
(¬٥) هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو حفص المدني ثم الدمشقي، ولد بالمدينة سنة ٦١ هـ وقيل: سنة ٦٣ هـ وهو الخليفة الأموي الزاهد، والإمام العادل، والمجتهد الورع، والعامل العابد، روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وصلى أنس خلفه، كان تابعيًا جليلًا علامةً حافظًا ثقةً مأمونًا، له فقه وعلم وورع، تولى الخلافة سنة ٩٩ هـ فأقام العدل بين الناس، توفي سنة ١٠١ هـ. انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/ ٣٣٠)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (٥/ ٢٥٣)، وتهذيب الكمال للمزي (٢١/ ٤٣٢)، وسير إعلام النبلاء (٥/ ١١٤)، والبداية والنهاية (١٢/ ٦٧٦)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (٣/ ٢٤٠).
(¬٦) حُمْر النَّعَم: الحُمْر جمع أحمر، والنَّعَم: واحد الأنعام، وهي البهائم، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، فحُمْر النَّعَم: كرائمها، وهي مَثَل في كل نفيس. انظر: المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي، مادة: (حمر)، (١/ ٢٢٣)، والمصباح المنير للفيومي، مادة: (حمر)، (ص/١٣١).
(¬٧) أخرج قول عمر بن عبد العزيز: ابنُ سعد في: الطبقات الكبرى (٥/ ٣٨١)؛ والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (٢/ ١١٧)، برقم (٧٤٥)؛ وابن عبد البر معلّقًا في: جامع بيان =