ويتصل باشتراطِ معرفةِ السنةِ النبويةِ عدّة مسائل، منها:
المسألة الأولى: القدرُ الواجبُ معرفته من السنةِ النبويةِ.
لا تُشترطُ الإحاطةُ بالسنةِ النبويةِ لبلوغِ رتبةِ الاجتهادِ في الشريعةِ الإسلاميةِ؛ وإلا لو قيلَ باشتراطِ الإحاطةِ بالسنةِ، لأدَّى ذلك إلى عدمِ وجودِ مجتهدٍ (¬١).
يقولُ أبو بكرٍ الجصاص: "ولو كانَ ذلك - أيْ: إحاطة المجتهد بالسنة - شرطُ جوازِ الاجتهادِ، لما جازَ لأحدٍ مِن القائسين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يجتهدَ؛ لفقدِ علمِه بالإحاطةِ لهذه الأصولِ" (¬٢).
وأيضًا: فقد اجتهدَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - في وقائعَ متعددة، مع عدمِ إحاطتِهم بجميعِ ما جاءَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬٣).
المسألة الثانية: اقتصارُ المجتهدِ على معرفةِ أحاديثِ الأحكامِ.
اتفق الأصوليون على أنَّ مِنْ شروطِ الاجتهادِ معرفةَ أحاديثِ الأحكامِ، واختلفوا في اشتراطِ معرفةِ الأحاديثِ الواردةِ في غيرِ الأحكامِ، كالقصص والمواعظ، على قولين:
القول الأول: لا تُشترطُ معرفةُ الأحاديثِ الواردةِ في غيرِ الأحكامِ.
ذَهَبَ إلى هذا القولِ جمهورُ الأصوليين، كإمامِ الحرمينِ الجويني (¬٤)، وأبي حامدٍ الغزالي (¬٥)، والفخر الرازي (¬٦)، وصفَي الدين الهندي (¬٧)، وعبد العزيز البخاري (¬٨)، وتاجِ الدين بنِ السبكي (¬٩)، وجمالِ الدين
---------------
(¬١) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٠٠).
(¬٢) الفصول في الأصول (٤/ ٢٧٤).
(¬٣) انظر: المصدر السابق.
(¬٤) انظر: الغياثي (ص/ ٤٠١).
(¬٥) انظر: المستصفى (٢/ ٣٨٤).
(¬٦) انظر: المحصول في علم أصول الفقه (٦/ ٢٣).
(¬٧) انظر: نهاية الوصول (٨/ ٣٨٢٧).
(¬٨) انظر: كشف الأسرار (٤/ ١٥).
(¬٩) انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (٧/ ٢٨٩٨)، وجمع الجوامع (ص / ١١٨).