كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 1)

ثانيًا: أنَّ مذهبَ جمعٍ مِن العلماءِ تقديمُ الراجحِ على المشهورِ عند تعارضِهما، فلو كان المشهورُ والراجحُ مترادفين، لما قيلَ بتقدِيم أحدِهما على الآخر، ولمَا وَقَعَ التعارضُ بينهما (¬١).
ثالثًا: لو كانَ المشهورُ: ما قوي دليلُه، لم يَتَأَتَّ في القولِ الواحدِ أنْ يكونَ مشهورًا وراجحًا، وقد وَرَدَ عن بعضِ المالكيةِ وصفُ القولِ الواحدِ بالشُهْرةِ والرجحانِ، وذلك مثل: تحريمِ الاستماعِ إلى آلاتِ اللهوِ، فإنَّه محرَّمٌ على المشهورِ؛ لكثرةِ مَنْ قال بتحريمِه، وحرامٌ على الراجحِ؛ لقوةِ دليلِه (¬٢).
ويقابلُ المشهور عند المالكيةِ: الشاذّ (¬٣)، وسيأتي الكلام عليه في فرعٍ مستقلٍّ.

أمثلة المشهور عند المالكية:
المثال الأول: يقولُ ابنُ الحاجب: "يتيمَّمُ المسافرُ ... وكذلك الحاضرُ الصحيحُ، يخشى فواتَ الوقتِ على المَشهورِ، ولا يُعِيدُ" (¬٤).
المثال الثاني: يقولُ ابنُ شاس: "ثمَّ الوترُ ركعةٌ واحدةٌ ... ويمتدُّ وقتُها الضروري إلى أنْ يصلي الصبحَ على المشهورِ مِن المذهبِ" (¬٥).
المثال الثالث: سُئِل أبو القاسمِ بن سراج الأندلسي (¬٦) عن بكرٍ
---------------
(¬١) انظر: المصادر السابقة.
(¬٢) انظر: المصادر السابقة.
(¬٣) انظر: التوضيح على جامع الأمهات لخليل (ص/ ٥٨)، وكشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ ٧٤)، والبهجة في شرح التحفة للتسولي (١/ ٢١)، والنوازل الصغرى للوزاني (٢/ ٢٢٥).
(¬٤) جامع الأمهات (ص/ ٦٥).
(¬٥) عقد الجواهر الثمنية (١/ ١٨٥).
(¬٦) هو: محمد بن محمد بن سراج الأندلسي الغرناطي، أبو القاسم، كان فقيهًا مالكي المذهب، حاملًا لواء مذهبه، علامةً حافظًا، فهامةً جليل القدر، جامعًا للفنون، محصلًا للعلوم، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلده، وتصدى للقضاء والإفتاء والتدريس بغرناطة، وقد انتفع بعلمه طائفة من طلبة الأندلس، من مؤلفاته: شرح كبير على مختصر خليل المالكي، ومجموعة من الفتاوى، توفي في غرناطة سنة ٨٤٨ هـ. انظر ترجمته في: الضوء اللامع للسخاوي (٧/ ٢٤٨)، ودرة الحجال لابن القاضي (٣/ ٢٨٢)، ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص/ ٥٢٦)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (١/ ٢٤٨)، والفكر السامي للحجوي (٤/ ٢٥٧).

الصفحة 552