كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

يقولُ ابنُ أبي العزِّ الحنفي: "ومِنْ مِثْلِ هذا الاستدلالِ - أي: الاستدلال على تفضيل المذهب - نَشَأَ الافتراقُ في الأُمّةِ" (¬١).
ويقولُ - أيضًا -: "أمَّا تفضيلُ شخصٍ على شخصٍ مِن العلماءِ، فليس منصوصًا عليه، ولا مجمعًا عليه، وغالبُ الخائضين فيه إنَّما يتكلمون بهوىً وتعصّبٍ" (¬٢).
ثالثًا: إنْ تضمّنَ الحديثُ عن تفضيلِ المذهبِ الحطَّ مِنْ قدرِ أئمةِ المذاهبِ الأخرى، أو ذكر مثالبِهم والطعن فيهم: فإنَّه لا يجوزُ (¬٣).
مع أنَّنا نجدُ أن مَنْ يَحُطَّ مِنْ قدرِ علماءِ المذاهب التي تخالفُه، يثبتُ أقوالَهم في المسائلِ الخلافيةِ، وينظرُ في أدلتِهم.
والعجبُ أنْ يقعَ في هذا المزلقِ الخطيرِ بعض العلماءِ الذين لهم قدمٌ راسخةٌ في العلمِ.
يقولُ أبو إسحاقَ الشاطبي: "إن الترجيحَ بين أمرين إنَّما يقعُ في الحقيقةِ بعدَ الاشتراكِ في الوصفِ الذي تفاوتا فيه ... وإنْ كانَ كذلك، فالخروجُ في ترجيحِ بعضِ المذاهبِ على بعضٍ إلى القدحِ في أصلِ الوصفِ بالنسبةِ إلى أحدِ المتصفين خروجٌ عن نَمَطٍ إلى نَمَطٍ آخر مخالفٍ له، وهذا ليس مِنْ شَأْنِ العلماءِ، وإنَّما الذي يليقُ بذلك الطعن والقدح في حصولِ ذلك الوصف لمَنْ تعاطاه، وليس مِنْ أهلِه، والأئمةُ المذكورون بُرَءاءُ مِنْ ذلك" (¬٤).
وقد أفاضَ الشاطبيُّ - بما لا مزيدَ عليه - في ذكرِ السلبياتِ المترتبةِ على ترجيحِ مذهبٍ بالطعنِ في المذاهبِ الأخرى (¬٥).
رابعًا: إنْ كانَ الحديثُ عن تفضيلِ المذهبِ بذكرِ خصائصِ المذهبِ
---------------
(¬١) الاتباع (ص/٢٨).
(¬٢) المصدر السابق.
(¬٣) انظر: الموافقات (٥/ ٢٨٦).
(¬٤) المصدر السابق.
(¬٥) انظر: المصدر السابق (٥/ ٢٨٦ - ٢٩١).

الصفحة 596