كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

سابعًا: لا يُوجدُ مذهبٌ مِن المذاهبِ الفقهيةِ المتبوعةِ متمحِّضٌ في الصوابِ ولا في الخطأ، بلْ أيّ مذهبٍ يصيبُ في بعضِ المسائلِ، ويخطئُ في بعضِها الآخر (¬١)، وبناءً عليه: فترجيحُ مذهبٍ برُمّتِه على مذهبٍ آخر لا يخلوُ مِنْ كثيرٍ مِن الحيفِ.
الفقرة الثانية: نماذجُ مِنْ أقوالِ بعضِ العلماءِ في تفضيل مذهبهم على غيره.
سأذكرُ نماذج لبعضِ العلماءِ الذين تحدثوا عنْ تفصيلِ مذهبِهم:
يقولُ القاضي عبدُ الوهاب المالكي: "وأمَّا ترجيحنا إيَّاه - أيْ: مذهب الإمام مالك - على غيرِه من المذاهبِ؛ فلقولِه: (يوشكُ أنْ يضربَ الناسُ أكبادَ الإبلِ في طلبِ العلمِ، فلا يجدون عالمًا أعلم مِنْ عالمِ المدينةِ) (¬٢)، فالدلالةُ في هذا مِنْ موضعين:
---------------
= كلهم يقرؤون مذهب الشافعي، فلماذا عدلت أنت عنه إلى مذهبنا؟ فقال له: إنما عدلت عن المذاهب رغبةً فيك أنت. فقال له: إن هذا لا يصلح؛ فإنك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد، وباقي أهل البلدة على مذهب الشافعي، لم تجد أحدًا يعيد معك ولا يدارسك، وكنت خليقًا أن تثير خصومة وتوقع نزاعًا! بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى، ودلَّه على الشيخ أبي إسحاق، وذهب إليه".
(¬١) انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٦٨٤)، والتحبير (٨/ ٤١٤٨)، وشرح الكوكب المنير (٤/ ٦٢٤).
(¬٢) جاء الحديث من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأخرجه: الترمذي في: جامعه، كتاب: العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: ما جاء في عالم المدينة (ص/ ٦٠٤)، برقم (٢٦٨٠)، وقال: "هذا حديث حسن". والنسائي في: السنن الكبرى، كتاب: المناسك، باب: فضل عالم أهل المدينة (٤/ ٢٦٣)، برقم (٤٢٧٧)؛ والحميدي في: مسنده (٢/ ٢٨٣)، برقم (١١٨١)؛ وأحمد في: المسند - وجاء فيه عن أبي هريرة إن شاء الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (١٣/ ٣٥٨)، برقم (٧٩٨٠)؛ والطحاوي في: شرح مشكل الآثار، باب: بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: (يوشك أن يضرب الناس .. ) (١٠/ ١٨٦ - ١٨٨)، بالأرقام (٤٠١٦ - ٤٠١٨)؛ وابن أبي حاتم في: الجرح والتعديل (١/ ١١ - ١٢)؛ وابن حبان في: صحيحه، كتاب: الحج، باب: فضل المدينة (٩/ ٥٣)، برقم (٣٧٣٦)؛ والحاكم في: المستدرك، كتاب: العلم (١/ ١٢٠)، برقم (٣٠٧)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي؛ والبيهقي في: السنن الكبرى، كتاب: الصلاة، باب: ما يستدل به على ترجيح قول أهل الحجاز وعلمهم (١/ ٣٨٦)؛ وفي: معرفة السنن والآثار، باب: من توقى رواية أهل =

الصفحة 598