كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

المسائلِ، أو أغلبِها، فنجدُ المتمذهبَ لا يخرجُ عن مذهبِه متى ما عَرَفَه إِلَّا على سبيلِ القِلّةِ والندرةِ - سواءٌ أكانَ تمذهبُه في الأصولِ، أم في الفروعِ، أم فيهما - ويكونُ سبيلُ المتمذهب في هذه الحالةِ هو السعي إِلى معرفةِ مذهبِ إِمامِه والراجحِ فيه، وقد يَتْبَعُ ذلك معرفةُ دليلِه.
يقولُ ابنُ القيّمِ: "إِذا وَجَدَ - أي: المجتهد في مذهبِه - نصَّ إِمامِه لم يَعْدِل عنه إِلى غيرِه البتة، وهذا شأنُ أكثرِ المصنفين في مذاهبِ أئمتِهم، وهو حالُ أكثرِ علماءِ الطوائفِ، وكثيرٌ منهم يظنّ أنَّه لا حاجةَ به إِلى معرفةِ الكتابِ والسنةِ والعربيةِ؛ لكونِه مجتزيًا بنصوصِ إِمامِه، فهي عنده كنصوصِ الشارعِ، قد اكتفى بها مِنْ كُلْفَةِ التعب والمشقةِ، وقد كفاه الإِمامُ استنباطَ الأحكامِ، ومؤنةَ استخراجِها مِن النَصوصِ، وقد يرى إِمامَه ذَكَرَ حُكْمًا بدليلِه، فيكتفي هو بذلك الدليلِ مِنْ غيرِ بحثٍ عن معارضٍ" (¬١).
ويُمْكِنُ أنْ يُمَثلَ لهذا القسمِ بـ: ابنِ عرفةَ والدردير المالكيين، وابنِ عابدين الحنفي، ومنصورٍ البهوتي ومحمدِ الخلوتي (¬٢) الحنبليين، وغيرهم خلق كثير.
القسم الثاني: التمذهب في كثيرٍ مِن المسائلِ، أو بعضِها.
قد يكونُ التزامُ المتمذهب بمذهبِه في كثيرٍ مِنْ أقوالِه، أو بعضِها، مع انتساب المتمذهبِ إِليه، ويكونُ السببُ في تركِه مذهبَه أحدَ أمرين:
---------------
(¬١) إِعلام الموقعين (٦/ ١٢٦).
(¬٢) هو: محمد بن أحمد بن عليّ البهوتي المصري، الشهير بالخلوتي، ولد بمصر، كان أحد علماء الحنابلة المحققين، إِمامًا في المعقول والمنقول، دَرَس الفقه والعلوم العقلية على علماء مصر، ولازم خاله منصور البهوتي، وانتفع به، واختص بالنور الشبراملسي الشَّافعي، فلازم دروسه، كان سديد البحث، مديد التقرير، أكيد التحرير، بديع التدقيق والتحقيق، مخرج الفروع على الأصول، وله تحريرات مهمة في المذهب الحنبلي، تولى التدريس والإِفتاء، من مؤلفاته: حاشية على منتهى الإِرادات، وحاشية على الإِقناع، توفي بمصر سنة ١٠٨٨ هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (٣/ ٣٧٦)، والنعت الأكمل للغزي (ص/ ٢٣٨)، والسحب الوابلة لابن حميد (٢/ ٨٦٩)، والمدخل إِلى مذهب الإِمام أحمد لابن بدران (ص/ ٤٤١)، وتسهيل السابلة لابن عثيمين (٣/ ١٥٧٠)، والأعلام للزركلي (٦/ ١٢).

الصفحة 610