كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

فتاوى عبدِ الله بنِ عمرَ - رضي الله عنهما - وأَخَذَ أتباعُ أهلِ الكوفة كثيرًا مِنْ فتاوى عبدِ الله بنِ مسعود - رضي الله عنه -، وأَخَذَ أتباعُ أهل مكةَ كثيرًا مِنْ فتاوى عبدِ الله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - (¬١).
وحكى ابنُ حزمٍ حالَ السلفِ في هذه العصورِ، فقالَ: "كانَ أهلُ هذه القرونِ الفاضلةِ المحمودةِ يطلبون حديثَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والفقهَ في القرآنِ، وَيَرْحَلُونَ في ذلك إِلى البلادِ، فإِنْ وجدوا حديثًا عنه - صلى الله عليه وسلم -، عَمِلُوا به واعتقدوه، ولا يقلّدُ أحدٌ منهم أحدًا البتة" (¬٢).
وإنْ كان ابنُ حزمٍ يقصدُ بكلامِه علماءَ السلف ومجتهديهم، فمسلّمٌ، وإلَّا فقد وُجِدَ التقليدُ مِن العامةِ لعلماءِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -.
وقد نفى ابنُ حزم عن التابعين أنَّهم أخذوا فتاوى الصحابةِ - رضي الله عنهم - على سبيلِ التقليدِ (¬٣).
وتبع ابنَ حزم ابنُ القيّمِ؛ إِذ نَقَلَ كلامَه بحذافيره في كتابه: (الصواعق المرسلة) (¬٤) مَعْزُوًّا إِليه.
وما ذكره ابنُ حزم يحتاجُ إِلى ما يعضده، بلْ يمكنُ القولُ: إِنَّ أَخْذَ التابعين عن الصحابةِ - رضي الله عنهم - يُعدُّ اللبنةَ الأُولى في طريقِ بناءِ المدارسِ الفقهيةِ - الَّتي استقرتْ إِلى المذاهب الفقهيةِ المتبوعةِ - واللبنةَ الأولى أيضًا في وجودِ شيءٍ مِن التمذهبِ لبعضَ أعيانِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -.
ويشهد لما قلتُه آنفًا: ما قاله أبو الحسن عليّ بنُ المديني (¬٥): "لم يكنْ
---------------
(¬١) انظر: المصدر السابق (٢/ ١٢٨)، والصواعق الموسلة لابن القيم (٢/ ٥٣٤)، ونظرة تاريخية في حدوث المذاهب لأحمد تيمور (ص/ ٤٨).
(¬٢) الإِحكام في أصول الأحكام (٦/ ١٤٢). وانظر: نهاية الوصول للهندي (٧/ ٢٨٢٥)، وإعلام الموقعين (٣/ ٤٨٤ - ٤٨٥)، وحجة الله البالغة للدهلوي (١/ ٤٦٠ - ٤٦٢).
(¬٣) انظر: الإِحكام في أصول الأحكام (٢/ ١٢٧).
(¬٤) انظر: (٢/ ٥٣٤)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ ١٥٥).
(¬٥) هو: عليّ بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم، أبو الحسن، المعروف بابن =

الصفحة 624