كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

عاشَ بعده بالمدينةِ مِنْ أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنَّما كانوا يُفْتُون بمذاهبِ زيدِ بن ثابت، وما كانوا أخذَوا عنه ممَّا لم يكونوا حفظوا فيه عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قولًا" (¬١).
وما قاله ابنُ جريرٍ محمولٌ مِنْ وجهةِ نظري على ما ظَهَرَ لي مِنْ كلامِ عليّ بنِ المديني.
ثمَّ جاءَ بعدَ التابعين أتباعُهم، وجَرَوْا على الطريقِ الَّتي سار عليها التابعون، فأَخَذَ كلُّ واحدٍ منهم ما عندَ التابعينَ الذين في بلدِه مِنْ علمٍ (¬٢)، وقد وُجِدَ في أتباعِ التابعين عددٌ مِن المجتهدين الذين تكوّنتْ لهم فيما بعدُ مذاهب فقهيةٌ قائمةً (¬٣).
يقولُ أبو شامةَ المقدسيُّ: "ثمَّ كَثُرَت الوقائعُ والنوازلُ، وأفتى فيها مجتهدو الصحابةِ والتابعين وأتباعِهم، وحُفِظَتْ فتاويهم، وسُطِّرَتْ ودُوِّنتْ، ووصلتْ إِلى مَنْ بعدهم مِن الفقهاءِ الأئمةِ" (¬٤).
ولم تكنْ أصولُ الفقه في هذه الحقبةِ مدوّنةً تدوينًا كاملًا، وإنْ كان العلماءُ يسيرون على أصولٍ مركوزةٍ في طرائقِهم الاجتهاديةِ.
ويحكي شاه وليُّ الله الدهلوي حالَ أتباعِ التابعين مع التابعين، فيقول: "فأظمأَ اللهُ أكبادًا إِلى علومِهم - أي: علوم التابعين - فَرَغِبُوا فيها،
---------------
(¬١) نقل كلامَ ابن جرير ابنُ القيم في: إِعلام الموقعين (١/ ٣٨). وانظر تعليق الشَّيخ محمد أبو زهرة على كلام ابن جرير في: الإِمام الصادق - حياته وعصره (ص/ ١٢٦).
(¬٢) انظر: الإِحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٢/ ١٢٨)، وإعلام الموقعين (٢/ ٩)، والصواعق المرسلة لابن القيم (٢/ ٥٣٤ - ٥٣٧)، والإِنصاف في بيان سبب الخلاف للدهلوي (ص/ ١٠)، والاجتهاد ومدى حاجتنا إِليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ ٤٤ - ٤٥)، والاجتهاد في الشريعة الإِسلامية لعلي الخفيف (ص/ ٢٢٢) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة، والجدل عند الأصوليين للدكتور مسعود فلوسي (ص/ ٦٥)، وتاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ ٦٧).
(¬٣) انظر: الحياة العلمية في إِفريقية للدكتور يوسف حواله (١/ ٢٦٣).
(¬٤) خطبة الكتاب المؤمل للرد إِلى الأمر الأول (ص/ ٩٩).

الصفحة 628