كتاب التمذهب – دراسة نظرية نقدية (اسم الجزء: 2)

وأَخَذُوا عنهم الحديثَ وفتاوى الصحابةِ وأقاويلهم، ومذاهب هؤلاءِ العلماءِ وتحقيقاتهم مِنْ عندِ أنفسِهم ... ودارتْ بينهم المسائلُ، ورُفِعتْ إِليهم الأقضيةُ ... " (¬١).
وقد بيّنَ الدهلويُّ صنيعَ أتباعِ التابعين إِذا اختلفتْ عليهم مذاهبُ الصحابةِ والتابعين في مسألةٍ ما، فالمختارُ عند كلِّ عالمٍ منهم مذهبَ أهلِ بلدِه وشيوخِه؛ لأنَّه أعرفُ بصحيحِ أقوالِهم مِنْ سقيمِها، وأدرى بأصولِها، ثم إِنَّ قلبَه أميلُ إِلى أقوالِهم؛ لفضلِهم وتبحرِهم (¬٢).
ولقد كان مِنْ أهمِّ أحوالِ السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - أنَّهم كانوا "متفقينَ على الأخذِ بحديثِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا بَلَغَهم، وصحَّ طريقُه" (¬٣)، ويفتي الواحدُ منهم بما ظَهَرَ له أنَّه الصوابُ في مسائلِ الأحكامِ والفروعِ (¬٤).
وجُملةُ القولِ: إِنَّه لم يُوْجَد قبلَ نشأةِ المذاهب الفقهيةِ تمذهبٌ بمعناه المعهود (¬٥)، ولا نسبةٌ مذهبيةٌ إِلى أحدٍ مِن المجتهدَين بعينِه، وقُصَارى ما وقفتُ عليه أمورٌ يصحُّ وصفُها بأنَّها مِن اللبناتِ الأُوْلى في طريقِ قسمٍ مِنْ أقسامِ التمذهبِ، وهو التمذهبُ مَعَ معرفةِ الدليلِ.
وقد وُجِدَتْ بداياتُ المدارسِ الفقهيةِ في هذه الأزمنةِ، وكان منبعُها أقوالَ الصحابة - رضي الله عنهم -، وأقوالَ التابعين (¬٦)،
---------------
(¬١) حجة الله البالغة (١/ ٤٤٣)، والإِنصاف في بيان سبب الخلاف (ص/ ٩). وانظر: حجة الله البالغة (١/ ٤٤٥ - ٤٤٦).
(¬٢) انظر: المصدر السابق (١/ ٤٤٧)، والإنصاف في بيان سبب الخلاف (ص/ ١١)، وأصول الإِفتاء لمحمد العثماني (ص/ ١٨٤) مع شرحه: المصباح في رسم المفتي.
(¬٣) الإِحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٢/ ١١٧). وانظر: رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية (ص/٤).
(¬٤) انظر: الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة لابن رجب (ص/ ٢٦).
(¬٥) انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (١/ ٤٦٨)، والإِنصاف في بيان سبب الخلاف له (ص/ ٢٨).
(¬٦) انظر: مناهج الاجتهاد في الإِسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ ٤٦).

الصفحة 629