كتاب إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد

من بَعُد، كما يسمعه من قرُب، أنا الملك، أنا الديان))، رواه الأئمة (¬1)، واستشهد به البخاري (¬2).
وفي بعض الآثار أن موسى - عليه السلام - ليلة رأى النار فهالته وفزع منها، ناداه ربه: ((يا موسى))، فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت؛ فقال: ((لبيك، لبيك، أسمعُ صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت))؟ فقال: ((أنا فوقك، ووراءك، وعن يمينك، وعن شمالك))، فعَلِم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: ((فكذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع أم كلام رسولك))؟ قال: ((بل كلامي يا موسى)) (¬3): هذه الآثار والأحاديث التي ذكرها المصنف -رحمه الله- أوردها للاستدلال على أن الله يتكلم بصوت، وهذا حق: أن الله يتكلم بصوت، وهو مستفاد من القرآن الكريم، لا من هذه الآثار التي نقل، فإن الأصل في الكلام أن يكون بصوت، وقد قال الله تعالى في غير موضع: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء:10]، والنداء: هو الخطاب بصوت مرتفع، وقال سبحانه: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]، ففيها: أن الله كلم
¬__________
(¬1) رواه أحمد في مسنده برقم (16042)، والحاكم في المستدرك (2/ 438) وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))، قال محقق المسند: ((إسناده حسن)).
(¬2) رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة التمريض مرفوعاً في (كتاب التوحيد)، باب (32).
(¬3) أورده السيوطي في الدر المنثور (10/ 163) عند تفسير الآية العاشرة من سورة (طه)، وهو أثر طويل جداً من كلام وهب بن منبه، ونسبه السيوطي إلى: ((أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم)).

الصفحة 53