كتاب حراسة الفضيلة
فاجراً تظن من حالهما أنهما زوجان
بعقد أُشْهِد عليه أبو هريرة - رضي الله عنه -، ولو رآها الديوث زوجها وهي على هذه الحال، لما تحركت منه شعرة، لموات غيرته، نعوذ بالله من موت الغيرة ومن سوء المنقلب.
وأين هؤلاء الأزواج من أعرابي رأي من ينظر إلى زوجته، فطلقها غيرة على المحارم، فلما عُوتب في ذلك، قال قصيدته الهائية المشهورة، ومنها:
وذاك لكثرة الشركاء فيه
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
إذا رأت الكلاب وَلَغنَ فيه
وأترك حبها من غير بغض
إذا وقع الذباب على طعام
وتجتنب الأسود ورود ماءٍ
وأين هؤلاء الأزواج من عربية سقط نصيفها -خمارها- عن وجهها، فالتقطته بيدها، وغطَّت وجهها بيدها الأخرى، وفي ذلك قيل:
سَقَطَ النَّصِيفُ ولم ترد إسقاطه…فتناولته واتَّقَتْنا باليد
وأعلى من ذلك وأجل ما ذكره الله سبحانه في قصة ابنتي شيخ مدين: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} [القصص: 25] فقد جاء عن عمر - رضي الله عنه - بسند صحيح أنه قال: جاءت تمشي على استحياء قَائِلَةً بثوبها على وجهها، لَيْسَت بِسَلْفَعٍ مِن النساء ولاّجةً خرَّاجة. والسلفع من النساء: الجريئة السليطة، كما في تفسير ابن كثير
[3/384] رحمه الله تعالى.
وفي الآية أيضاً من الأدب والعفة والحياء، ما بلغ ابنة الشيخ مبلغاً عجيباً في التحفظ والتحرز، إذ قالت: {إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} فجعلت الدعوة على لسان الأب، ابتعاداً عن الرَّيب والرِّيبة.
الصفحة 89
136