كتاب فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
المبحث الرابع عشر
ضعف العناية بالسياسة الشرعية
في التصرفات الدعوية
للسياسة الشرعية فقه يقوم على المدافعة بين المصالح والمفاسد، والموازنة بين المنافع والمضارِّ، وهو فقه شرعي واقعي يَرْعَى الضروراتِ والحاجاتِ، ويدفعُ المشقَّاتِ، وينظر إلى المآلاتِ، ونتائج التصرفات، ولا يُغْفِلُ المقاصدَ الباعثةَ على الأعمال، ولقد انتُقِدَتْ بعضُ المواقف السلفية من منظور السياسة الشرعية، سواء في ممارسة العمل السياسي، أو في مواقف السلفيين من الحكومات العلمانية، أو في منهج إنكار المنكر، وعلى سبيل المثال: فقد وقع خَلْطٌ بين اعتبار السكوت على الخطأ أو المنكر إقرارًا، وبين ارتكابِ أخفِّ الضررين، ودفعِ الضرر الأشدِّ بالضرر الأخفِّ؛ فقد سُمع قبل فترة من الزمان القولُ بأن العمل السياسيَّ يتضمن الإقرار بالتشريع الوضعي؛ كون المشارك لا يُنكره ولا يُحاربه، مع أن القائل نفسه لا يقول بأن الالتحاق بالجامعات المختلطة إقرارٌ للاختلاط! فَيَنْهَى عن الأول ويأمرُ بالثاني!! ومن ذلك -أيضًا-: تحميل مقولة: "كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة" ما لا تحتمل، ولايمكن أن تحتمل، فضلاً عن وضعها في غير موضعها، سواء بالنسبة لطبيعة المسألة، أو طبيعة المرحلة، وهي مرحلة دفعٍ ورفعٍ، وبناءً على فهمٍ سقيمٍ لتلك المقولة جرى التأكيد -بشكل عمليٍّ- على استحالة التعاون بين الجماعات والطوائف
الصفحة 129
208