كتاب فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
وهذا الفقه الدعويُّ يقتضي موازنةً في الخطاب بين المصالح والمفاسد، ومقابلةً بين المنافع والمضارِّ عند التزاحم، كما يقتضي إدراكًا لمقاصد الشريعة ومعانيها الكليةِ التي لأجلها شُرِعَتِ الأحكامُ، والتي على أساسها تترتب مصالحُ الأنام.
وجهات الأولوية متعددة متنوعة، فالأعمال المطلوبة من حيث الزمان تتفاوت رتبها؛ بناءً على إدراك واجب الوقت، وفريضة العمر، وشرف الزمان والدهر.
كما تتفاوت من حيث المكان، وما يتعلق به من عمل، رعايةً لفضله، أو تقديرًا لعُرْفِ أهله، كما تتفاوت من حيث ما يطرأ من أَمْرٍ استثنائيٍّ، أو يعرض من حال خاصة، أو ما يقع مما يَعْسُرُ الاحترازُ عنه، أو تعمُّ البلوى به.
وكذلك فإن الأعمال والتصرفات - سواءً أكانت قلبية، أم قولية، أم فعلية - تتفاوت في ذاتها، كما تفاوتت باعتباراتٍ من خارجها.
فمعيار إدراك الأولويات - في الدرجة الأولى - شرعيٌّ، وميزان الترجيح بينها نقليٌّ؛ إذ هو المصدر المعصوم، والصدور عنه فرضٌ محتومٌ، ثم ما استند إليه من إجماع موثَّق، أو قياس محقق.
ثم تأتي - في الدرجة التالية - المقاصد الشرعية، والمصالح المرعية، ومصادر التشريع الثانوية؛ كسَدِّ الذرائع، أو فتحها ... وغيرها.
وأخيرًا تأتي المشتركات العامة؛ مِن تجارب الدعاة من لدن أنبياء
الصفحة 27
208